خالد بن حمد المالك
أعرف وتعرفون عن حجم الظلم الذي يعانيه الشعب الفلسطيني الشقيق، وآلاف الشهداء الذين قتلوا بدم بارد خلال شهر واحد فقط، والمخطط الذي يجري تنفيذه لاقتلاع الفلسطينيين وتهجيرهم مما تبقى من أراضيهم المحتلة، وكيف أنهم يعيشون في ظروف قاسية تحت سلطة جلاد استعماري ومحتل لا يرحم.
* *
وأعرف كما تعرفون أن إسرائيل ما كانت لتستولي على أراضي الفلسطينيين، وتطردهم منها لولا التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الذي وضع كل إمكاناته العسكرية والمالية والسياسية بتصرف إسرائيل لإبقائها خنجراً في خاصرة دول المنطقة، وشرطياً لخدمة مصالحها على حساب أصحاب الحق، دون وازع من ضمير، أو إحساس بالعدل والإنصاف.
* *
هذا هو العالم لا يفكر إلا بمصالحه، ولا يستخدم قوته ونفوذه إلا بما يثبت هذه المصالح، ولا قيمة للمواثيق الدولية، وحقوق الإنسان لديه، طالما أنها تتعارض مع أهدافه، وهو أبداً مصدر للشر، بعيد عن الخير، لا يؤمن جانبه، ولا يوثق بأقواله، متجرداً من إنسانيته، ولا يخشى في ظلمه، وممارساته العدوانية أن يلومه لائم.
* *
وها هو نتنياهو رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي يصرح بوضوح بأن واشنطون تقوم بجهود كبيرة للحفاظ على استمرار حرب إسرائيل في غزة، رغم أن ما يحدث من عدوان سافر يُوصف على أنه جرائم حرب وإبادة جماعية، وأن على إسرائيل أن تكون أمام المساءلة والمحاسبة في محكمة الجنايات الدولية، وهو ما طالبت به خمس دول على رأسها جنوب إفريقيا.
* *
نعم، إسرائيل لا تكترث، ولا تلتزم، بأي قرارات أو نداءات لإيقاف جرائمها، لأنها تحتمي بالولايات المتحدة الأمريكية، شريكها في الظلم والقهر والاعتداءات على الشعب الفلسطيني، وداعمة بلا حدود لرفض تل أبيب إقامة دولة فلسطينية، وإسرائيل ترى أن السلطة الفلسطينية غير قادرة على تحمّل المسؤولية في إدارة شؤون غزة، وتستنكر عدم إدانة محمود عباس بعد مرور 43 يوماً لأحداث السابع من أكتوبر.
* *
يحاول الرئيس الأمريكي أمام هذه الصورة القاتمة أن يبيع الكلام الناعم عن موقفه من الحرب، مع استمراره بدعم إسرائيل بكل ما تطلبه منه، فيزودها مؤخراً بمدرعات طبية لدعم الجيش الإسرائيلي ضد العناصر الفلسطينية المسلحة، إلى جانب ما تحتاجه من أسلحة أخرى متطورة، كما يدعي بايدن بأنه محبط لارتفاع القتلى من المدنيين الفلسطينيين، وأنه أصبح أكثر توتراً -بحسب وسائل الإعلام الأمريكية- في محادثاته مع نتنياهو لرفض الأخير الموافقة على هدن أطول، وهذا الموقف إنما هو من باب امتصاص اللوم على موقفه الأعمى الداعم لإسرائيل.
* *
ويستمر التوافق - والتضليل الدائم - بين تل أبيب وواشنطون على وضع غزة بعد الحرب، فبينما يريد نتنياهو إنشاء منطقة عازلة على طول حدود إسرائيل مع قطاع غزة، وأن يتم قتل كل أعضاء حماس بصرف النظر عن مكان وجودهم، يرى وزير خارجية إسرائيل بأن حماس لن تدير غزة، وأن السلطة الفلسطينية ليست هي الحل، فيما يقول وزير دفاع إسرائيل لن ندير غزة بعد الحرب ولن تديره حماس، في حين يرى بايدن عدم احتلال غزة أو تقليص مساحتها، وأن السلطة الفلسطينية (المتجددة) سوف تدير غزة بعد توحيدها مع الضفة الغربية في نهاية المطاف، مع قيام المجتمع الدولي بوضع آلية لإعادة إعمارها، وكل هذه التناقضات تضاف إلى المطالبة بقبول الغرب للفلسطينيين بوصفهم مهاجرين لدولهم، أو تهجيرهم لسيناء والأردن.
* *
مصداقية بايدين ونتنياهو هي الآن تتلقى الضربات الموجعة، خاصة بعد أن ظهر مستشفى الشفاء بلا رهائن، ومن دون أنفاق، وبأسلحة تم عرضها، فإذا بها تختلف بين الصور التي عرضها الجيش الإسرائيلي وتلك التي صورتها وسائل الإعلام في مجمع المستشفى، ومثل ذلك قتل 364 إسرائيلياً في حفل يوم السابع من أكتوبر، حيث تبيَّن أن من قتلهم طائرة إسرائيلية وليس عناصر حماس.
* *
الآن، وبعد مؤتمر القمة العربي الإسلامي في الرياض بدأ الوزراء المكلّفون جولاتهم المشتركة من أجل إيقاف الحرب الظالمة، ومن أجل فتح المعابر لإدخال المواد الطبية والغذائية والمحروقات، والبدء في توثيق جرائم إسرائيل للتقدم بها لمحكمة الجنايات الدولية، ولا نقول إلا: ويل للظالمين.