هدى بنت فهد المعجل
أبجديات الحياة تفرض علينا ما لا نحتمل، أو نتمنى.. وتحرمنا مما نحتمل، ونتمنى.. فننصاع، ونستجيب طوعًا، وقسرًا. قد ندرك آلية تغيير أبجدياتها، ولا نتمكن من التغيير الفعلي..!! فَنُذْعِنْ ونُسَلّم..!! وربما نتمكن من التغيير الفعلي، ونجهل آلياته..!! فَنُذْعِنْ ونُسَلّم (أيضًا)..!! حيث إن الإذعان والتسليم ديدنا وفي جميع أحوالنا.. حتى أمام وقاحة تنبعث من البشر، وتزكم بسببها الأنوف..
فالحياة لا تخلو من وقاحة الخلق.. وقد تكون (أنت) هكذا، وتنكر ذلك!! أو تدّعي العكس..!! لأنك لو أدركت ما أنتَ فيه لصححت عيوبك ورممتها..
وما على الآخرين سوى التعايش معك رغم أنف الوقاحة..!! فأي وقاحة عنيتْ؟!
بل أي فعل يرى وقحًا.. وأي الأفعال لا ترى كذلك..؟!!
وهل كل من رأى الفعل وقحًا، كان وقحًا (بالفعل)..!!؟
وماذا عن الصراحة.. وإمكانية الجمع أو الفصل بينها وبين الوقاحة..؟!!
يقول الإمام الشافعي:
وجنبني النصيحة في الجماعة
من التوبيخ لا أرضى استماعه
فلا تجزع إذا لم تلق طاعة!
فالإمام الشافعي رأي في النصح في الجماعة وجهًا من أوجه التوبيخ..
فهل من الوقاحة النصح في الجماعة..؟! السلوك الوقح ضده السلوك المؤدب، ومن السلوك الحسن تحين فرص النصح أوقاتها وأمكنتها.. أيضًا من الوقاحة تصيد عيوب الآخرين، والاصطياد في الماء العكر.. وما أكثر عكر مياهنا.. بقصد منّا، أو دون قصد.. ونصب الشباك على أشده من الغير.. وهو فعل إلى الوقاحة أقرب..
والألفاظ النابية، البذيئة جزء منها.. ولكن ليس كل شخص يقر أن الألفاظ التي يأتي بها نابية، بذيئة..!! لماذا؟ لاعتياده عليها.. وتعامله بها.. وإدراجها ضمن أحرف، وكلمات، وجمل حديثة بحيث أصبح لا يستطيع التفريق والفصل بين اللفظ القبيح.. والثاني الحسن لكثرة ما ينطق من الألفاظ القبيحة الوقحة مما تربى في أحضانها وبين أزقتها.. فما هو الشأن بخصوص الأفعال..؟!! في (مختار الصحاح) وقح الرجل من باب ظَرُف قَلَّ حَيَاؤُه فهو (وقح). فمن قلّة الحياء التطاول على الآخرين قولاً وفعلاً.. ومنه التجاوز في السلوك.. أو عدم وزن الأفعال والأقوال في ميزان ما يستحق وما لا يستحق التعامل به من بعضنا بعضًا.. يقول أحدهم:
أخوكُ الذي يَحميكَ في الغيبِ جاهد
ويستر ما تأتي مِنَ السوء والقبحِ
وينشرُ ما يُرضيكَ في الناسِ مُعلِنًا
ويغضي ولا يألو مِنَ البِرِّ والنُصحِ
فهل بحوزتنا كم هؤلاء الإخوة؟ وأي وسيلة توعوية نستطيعها نتمكن بها من إشاعة هذه الفئة من الإخوّة التي هي بمثابة درع واقٍ لنا.. وستار وكساء يغطي عيوبنا من التصيد لها شم إشاعة بوقاحة تعلن عن نفسها دون إيضاح دقيق!!