د. يعقوب بن يوسف العنقري
تعد ثقافة الحوار ملازمة لحياة الملك عبدالعزيز-رحمه الله- فكان يجلس يومياً للناس على اختلاف شرائحهم ومستوياتهم التعليمية والاجتماعية، والزائرين له على اختلاف ثقافاتهم وشخصياتهم ويتحاور معهم في القضايا والموضوعات التي قصدوه بها، فالحوار جزء من يوم الملك عبدالعزيز-رحمه الله- ووقته الثمين، ولهذا كان من الصعوبة بمكان على كُتّاب الملك عبدالعزيز وملازميه أن يدونوا جميع حواراته؛ لأنها تجري بشكل يومي ومع عدد كبير من الناس، وحياته قائمة على هذا النهج، ولو دونت حواراته كلها لكان فيها إثراء علمي لثقافة الحوار.
والمتأمل في الحوارات المدونة للملك عبدالعزيز -رحمه الله- سيجد أنه قد اتسمت شخصيته الحوارية بعدة سمات مميزة، من تلك السمات: أن الحوار أمر غير متكلف ولا متصنع في شخصيته، فكان يمارسه يومياً مع مختلف طبقات المجتمع وفئاته. كذلك صبره وتحمله للناس فتجد من يخاطبه باسمه المجرد من اللقب فيقول له ( يا عبدالعزيز) مع أن الشريعة أمرت بإنزال الناس منازلهم، وإعطائهم المكانة الاجتماعية اللائقة بهم، ومع ذلك فكان لا يعتب عليهم في ذلك. أيضا التواضع فكان لا يستكبر ولا يستنكف عن استقبال الناس على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والتعليمية، ويحاورهم في الأمر الذي جاءوا لأجله، ويتخاطب معهم باللغة التي يفهمونها وتتناسب معهم. أيضا كان-رحمه الله- يتمتع في حواره بوافر الأدب ويتلطف بمن يحاوره في إنهاء الحوار بينهما، فلا ينهره ولا يزجره وإنما ينهيه بعبارات وكلمات مليئة باللطافة.
والحديث في هذا الموضوع لا يسعه هذا المقال، والمهم في ذلك أن هناك وسائل لترسيخ ثقافة الحوار في المجتمع ومن ضمنها القدوات، لذا كلي أمل من وزارة التعليم والجامعات السعودية وهم بلا شك لهم عناية بترسيخ ثقافة الحوار أن تُضمَّن الخطة الدراسية في التعليم العام والجامعي مقرر الحوار إن لم يكن موجوداً فيها، وإن كان موجوداً في الخطة الدراسية أن يُضمَّن في مفردات مقرر الحوار نماذج من حوارات الملك عبدالعزيز-رحمه الله- وصفات وسمات شخصيته الحوارية، والمجالس المفتوحة وترسيخها لثقافة الحوار والتي اعتنى بها المؤسس؛ ليجمع للمتلقي بين الجانب النظري والتطبيقي.