أ.د.عثمان بن صالح العامر
أشرت في مقال الثلاثاء الماضي انعقاد المؤتمر الدولي السادس لكلية اللغة العربية بأسيوط فرع جامعة الأزهر الموسوم بـ(إسهامات ذوي الهمم في بناء الحضارة الإنسانية قديماً وحديثاً)، يومي الأحد والاثنين من الأسبوع الماضي 12- 13 نوفمبر 2023 م، وذكرت فيما سبق إلى أن من اهتماماتي الشخصية التعرف على إسهاماتهم في الفكر على وجه الخصوص، ولذا فقد حرصت على الأبحاث والأوراق العلمية التي جاءت في محور (إسهامات ذوي الهمم في الجوانب الفكرية والعلمية) وتشرفت بالاطلاع على ورقة الدكتورة: (آلاء بنت أحمد شوكت زاهد) من المدينة النبوية، التي أبدعت في عرض إسهامات هذه الفئة في إثراء المكتبة العربية بكم من التراث الفكري والعلمي، ولفت انتباهي ما أشارت إليه الدكتورة في ثنايا مقدمتها من أن هناك أكثر من مليار شخص، أو ما يقارب 15 % من سكان العالم يعيشون مع شكل من أشكال الإعاقة أو ما يطلق عليهم سابقًا ذوي الاحتياجات الخاصة، أما مصطلح ذوي الهمم فهو في نظر الدكتورة: مصطلح حديث لوصف الأشخاص الذين ضعفت قواهم البدنية أو العقلية، فأصيبت بعحز وتعطلت عن أداء بعض المهام المنوطة بهم.
وحين حديثها عن التمكين لهذه الفئة، فرقت بين التمكين الاجتماعي والتمكين التعليمي، والتمكين الاقتصادي، والتمكين السياسي ثم ختمت هذا المبحث الجميل والماتع بأبرز الآثار الناجمة عن هذا التمكين.
وحين انتقلت لتعرض إسهامات أصحاب الهمم في العلوم النقلية أوردت أسماء رجال عظام في تاريخنا الإسلامي، منهم من كانوا من كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجميعن، ومنهم من برع في القرون الثلاثة المفضلة سواء في رواية الحديث أو تدريس الفقه أو في علم اللغة والأدب العربي بل حتى العالمي أو في فن الحوار والخطابة، وفيهم من هم من أهل هذا العصر برزوا وعرفوا في مجالهم المعرفي أو الفكري أو الثقافي والأدبي، يصنفون جميعاً أنهم من أصحاب الهمم، مثلهم في ذلك مثل من برزوا بشكل كبير في العلوم العقلية سواء في الطبيعة أو الفلك أو الجغرافيا، أو الرياضيات، أو الفيزياء، أو الكيمياء، أو الهندسة، أو الطب، أو الاختراعات والاكتشافات الأخرى التي أثرت في مسيرة الحياة البشرية ولا زالت ذات أثر بالغ حتى اليوم، كما هو الأثر المنسوب لمن عرفوا بإبداعاتهم ومؤلفاتهم وتراثاهم ممن ينتسبون لهذه الفئة في العلوم النقلية المشار إليهم أعلاه، ولكنهم جمعياً إلا ما ندر ظلوا في الظل، وحقهم علينا إبرازهم والحديث عنهم في مثل هذه المؤتمرات.
أعجبني كثيراً ما انتهت إليه الدكتورة من توصية قيمة سواء ما كان من باب التوثيق لمنجزات ذوي الهمم في موسوعة متخصصة بهم، أو التأكيد على ضرورة اهتمام المؤسسات المجتمعية بهم، وتوقفت بصدق عند المطالبة بإنشاء أكاديمية عالمية متخصصة تعني بتطوير معارف ذوي الهمم كل حسب احتياجه، وحسب إمكانياته، ومن التوصيات ذات الأهمية في هذا الوقت بالذات العمل على زيادة الإنتاج الرقمي المتعلق بذوي الهمم وإنجازاتهم، ومتطالباتهم، وضرورة سن القوانين والأنظمة التي تكفل حقوقهم دولياً، والعمل على تحقيق التكامل بين المنظمات المهتمة بهم.
أجزم أن هذه الإطلالة السريعة على هذه الورقة القيمة لا تكفي للوفاء بما ورد فيها ولكن كما قيل (ما لا يُدرك كله لا يُترك جله)، ولعلني هنا كنت أوردت المفيد قدر جهدي وكما قيل أيضًا (حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق)، شكراً للدكتورة آلاء فتاة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الثراء والإثراء النوعي المميز، والتقديم الجيد الماتع لهذه المشاركة العلمية الرائعة، والشكر موصول لجامعة الأزهر، فرع أسيوط، في دولة مصر العربية العريقة، على حسن الاختيار وجودة التنظيم وروعة الاستقبال والتغطية الإعلامية المتميزة خاصة منصات ومواقع التواصل المتنوعة في العالم الافتراضي، وإلى لقاء والسلام.