د. عبدالحق عزوزي
للبحار أهمية كبرى في الحفاظ على التوازن البيئي؛ وهي تعتبر مصدراً للغذاء وهطول الأمطار بالإضافة إلى الدور التاريخي الذي اضطلعت به قديماً لمدِّ جسور التواصل بين الشعوب وربط القارات فيما بينها خصوصاً إبّان الكشوفات الجغرافية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وتعزى فعاليتها كعوامل محركة للاقتصادات الوطنية والإقليمية؛ وفي هذا السياق نظمت منذ أيام أكاديمية المملكة المغربية بشراكة مع المنتدى العالمي للبحار والموسم الأزرق في مدينة طنجة الدورة الأولى لمؤتمر قمة إفريقيا الزرقاء Blue Africa Summit...
وليس غريباً أن ينظم هذا اللقاء في مدينة طنجة، لأنه إذا أردنا أن نتحدث عن هاته المدينة فسنجد أنفسنا مع كتاب عالميين مشهورين تحدثوا عنها في دواوينهم ومذكراتهم ومؤلفاتهم، أمثال ويليام بوروز وترومان كابوتي ومارك توين وتنيسي ويليامز وبول بولز وجان جينيه، حيث يذهب بعض المهتمين بالتاريخ المعاصر إلى القول إن «طنجة مدينة صنعها الأدباء والميناء»؛ وكذلك الحال مع مدينة مراكش، حيث تحول عدد من الكتاب والفنانين إلى حراس للتراث لمدينة استهوت، على مدى تاريخها المعاصر، الكتاب، كما سحرت الفنانين، فأرخوا لمرورهم منها. فهناك مبدعون عالميون قدموا إليها من شتى بقاع العالم ومن مختلف مجالات الإبداع، لقدرتها على أن توفر لهم جوّاً مناسباً لتفجير المخيلة، وأن تحرض في داخلهم فرص الإبداع الراقي. مبدعون عرب وغربيون، هاموا بها، فأعطوها من رحيق إبداعاتهم بقدر ما أعطتهم من سحرها ودفئها: من السوري أدونيس والعراقي سعدي يوسف، إلى الإسباني خوان غويتصولو والألماني هانس فيرنر غيردتس، وقبلهم الفرنسي جاك ماجوريل والألماني إلياس كانيتي والفرنسي كلود أوليي، من دون نسيان الحديث عن عشاق آخرين، اختاروا الإقامة والاستثمار الثقافي بها، أمثال الهولندي بيرت فلينت والأميركية باتي كود بي بيرش والسويسرية سوزانا بيدرمان إليوت والفرنسي إيف سان لورا؛ والشاعر الإماراتي الكبير الدكتور مانع سعيد العتيبة...
وبالرجوع إلى موضوعنا، فإنه قد شارك في هذه القمة مسؤولون أمميون وزعماء سياسيون ومسؤولون بالمجتمع المدني ومنظمات مختصة في المحيطات وخبراء اقتصاديون من أوروبا وأمريكا و آسيا و إفريقيا ودول عربية... وقال بيتر تومسون، المبعوث الخاص للأمم المتحدة حول المحيطات، في تداخله إن القارة الإفريقية يمكنها أن تكتسب الكثير من التحوّل إلى «الاقتصاد الأزرق»، ويمكنها أن تخسر الكثير إذا لم تهتم به لأن «لا قارة صحية دونَ بحار صحية».
وأطلقت هاته القمة «إعلان طنجة» الذي وضع خريطة طريق لسلطات القارة الإفريقية من أجل تطوير «خطط إستراتيجية للتنمية المستدامة لسواحلها ومجالاتها الاقتصادية الخاصة»، من أجل «اقتصاد أزرق مستدام، وتنمية حماية المجالات الساحلية وتنوعها البيولوجي بنسبة 30 في المائة في أفق سنة 2030».
كما دعت قمة إفريقيا الزرقاء كل المقاولين في مجال السواحل إلى «تطوير نماذج اقتصادية مستدامة تأخذ بعين الاعتبار العيش الكريم للساكنة الساحلية». وأوصت أيضاً كل الدول من أجل «تشجيع المبادرات، مثل (السور الأزرق الكبير) أو الممرات البحرية، بدمج الخبرات العلمية، والانخراط المواطِن، والتنمية من أجل حماية البحر، بوصفه ثروة مشتركة».
وأبرز «إعلان طنجة» أن «مؤتمر قمة إفريقيا الزرقاء» قد نُظّم وسينظَّم من أجل «إسماع صوت إفريقيا بشكل أقوى» لدى جميع المخاطَبين الدوليين، والمواعيد العالمية المرتقبة التي تتفاوض حول منع مِنح الصيد غير الشرعي، والصيد الذي يستنزف طاقة البحر، ووقف استغلال أعماق البحار.
زد على ذلك أن الإعلان أوصى الدول الإفريقية بالتصديق في أسرع وقت ممكن على اتفاقية حماية البحر والتنوع البيولوجي، خاصة وأنها تنتمي إلى قارة يعيش ثلثا ساكنتها على بعد أقل من 60 كيلومتراً من السواحل.
كل هذا الكلام يوحي بأن المجتمع الدولي دخل محطات متسارعة ومتنوعة وغير مسبوقة، من أجل «مواجهة الكوارث البيئية الكبرى والمتعددة لزماننا»، لكنها قرارات ينبغي أن تفعل مِن قِبَل دول المعمورة خاصة وأن الانتقال إلى «اقتصاد أزرق مستدام» يتطلب لقاء وتعاون القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، بتمويل مشترك، في ظلّ مناخ يدمج الجميع ولا يترك أحداً، مع اتخاذ قرارات علمية وهادفة وتنزيلها على مختلف المستويات... وتمنياتي أن يأخذ المشاركون إلى عواصمهم «رسالة الاستعجال هذه» لأن في القارة 54 دولة، و»إذا تحركت إفريقيا كوَحدة» يمكن اعتماد القرارات الأممية التي ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل الكرة الأرضية.