د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
هذا عنوان كتاب المبدع الشاعر الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي، أصدرته الجمعية الأهلية الصالحية في عنيزة عام 1445هـ، وجاء في مجلدين (824 صفحة).
لم تأت جيم (مواجهة) مضبوطة، فلك أن تفتح الجيم لتكون مصدرًا ميميًّا من الفعل (واجه)، ولك أن تكسر الجيم لتكون اسم فاعل من الفعل نفسه فيتسق بذلك و(واجهة) اسم الفاعل من الفعل المجرد (وجه)؛ ولكن (واجة) جعل اسمًا لما يواجه أو يقابل حسيًّا كواجهة البيت أو معنويًّا كواجهة سياسية أو اجتماعية. والعنوان أخذ من المقدمة التي يقدمها المؤلف بين يدي الحوار، جعلها في محورين الأول (الواجهة) وهي الصورة التي يراها المؤلف معبرة عن الشخص تظهر له أو لغيره وتواجهه، وتشغل الواجهة بعض سطر أو أزيد. والآخر (المواجهة) وهي تعبير عن رؤية المؤلف وخبرته ثقفها من المراقبة والبحث والاطلاع والسؤال، وهو يصوغ هذا كله بلغة أدبية مطرزة بالبديع الذي هو من أخص خصائص كتابة الدكتور إبراهيم التركي وهو بديع بديع سلم من التكلف، وتجد هذا البديع في عنوان الكتاب وفي تضاعيفه، وأضرب مثالًا بصفحة التمهيد للحوار مع الشيخ العلامة محمد بن ناصر العبودي رحمه الله (ص433):
أما الواجهة:
فعلماء في «علم»...
سافر في «الزمان»، وارتحل في «المكان»
وتخصص في حكايات «الإنسان».. و»الأوطان»
وأما المواجهة: فترحالٌ مع «رحّالة»، مبتدؤه «مثل»
وسياحته «عمل»، وسعيه «أمل»
رجل بسيطٌ في «مظهره»، عميق في «جوهره»، تألفُه حين تراه..
وتغادره.. ولا تنساه..
يعرفك «بنفسك» و«ناسك»
و«أصلك» و«فصلك»
و«تاريخك» الذي يتصل بك..
وربما تكون قد انفصلت عنه.. جغرافيٌ/ مؤرخ..
رحالة/ نسّابة.. رجل علم/ ودولة .. طوّف في الآفاق.. وغاص في الأعماق..
واخترق الأنفاق.. واجهتْه مصاعب.. فما كلّ.. وامتدتْ به السبل.. وما ملّ..
جاز «القفار» و«البحار»
وواصل الليل بالنهار.. أعدّ نفسه مبكرًا
فقرأ.. وكتب.. وبحث.. وتعب.. وأمدّ المكتبة العربية.. بعشرات الكتب..!
زوى هذا الكتاب أربعة وثلاثين حوارًا صحفيّا أجراها الدكتور التركي ونشرت قبل ربع قرن في صحيفة الجزيرة (2000-205م)، وهي حوارات مهمة لأهمية المحاوَرين، فهم أمراء ومشايخ وعلماء ووزراء ومسؤولون في القطاعين العام والأهلي، وجاءت أسماء المحاورين في الكتاب مرتبة حسب تواريخ النشر.
يبين التركي أهمية كتابه بقوله الذي نقتبسه لجمال سبكه ودقة تعبيره «تبقى أوراقنا القديمة نحنُ بما نمثله أو نتمثله، وربما تجاوزها الزمن تغيرًا وتبدلًا، وربما لم تعد موقعَ قيمةٍ للقارئ والمتابع، غير أنها ستظلُّ ذاتَ دلالات تأريخيةٍ إداريةٍ توثيقيةٍ تَعْبُر الزمنَ وتعَبِّرُ عنه، وتمنحنا متعةً حينًا، وفائدةً حينًا، ومقارناتٍ ومقارباتٍ أحايين، وإذ تقلُّ أهميتُها من جانب تزدادُ من جوانب، وبدا من الأهمِّ فوق الـمُهمِّ رصدُها فزمنُ السيل المعلوماتي قلبَ معادلاتِ التأريخ فما عاد الأمسُ حاضرًا اليوم، مثلما لم يصبح اليومُ أبًا للغد، ومن هنا جاءت فكرةُ هذا الكتاب»(ص11).
ليست الأسئلة التي يسأل بها المؤلف ضيوفه أسئلة نمطية تتكرر؛ بل هي نتيجة درس واستقراء وتتبع لمسيرة الضيف وعمله وإنتاجه وأثره، ومنها ما يستلهم من إجابة الضيف، وحرص المؤلف أن يضع للسؤال والجواب عنوانًا يزوي مضمونه، قد ينتزع هذا من كلمة هي قطب الرحا ولبّ السؤال وجمّارته أو من محتواه. مثال ذلك (ص433):
معنى
- منذ زمن وأنت الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي رغم تغيّر الأمناء العامين، وكان الناس يتوقعون أن تصبح أنت الأمين العام للرابطة خصوصًا وقد أمضيت فيها زمنًا طويلًا .. هل لهذا السؤال معنى..؟
ولعل من الخير أن أقتبس فقرة من تقديم الأستاذ خالد بن حمد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة، يقول في (ص7): «لاحظوا حسن اختيار الدكتور التركي للأشخاص، ونوعية الأسئلة وقيمة المعلومات في الإجابات وعناوين كل حلقة، ومقدمتها والأسلوب المشوِّق الذي صيغت به كل حلقة، والتنوّع بين كل حلقة وأخرى، والجاذبية في إخراج الحلقات، والمحافظة على المستوى في نوعية الضيوف والأسئلة دون تنازلٍ أو تسامح، أو قبول بما هو أدنى، أو حتى بما هو في الوسط عند التقييم، فالتركي لا يقبل بأنصاف الحلول، وأعماله الصحفية مع خلوها من طابع الإثارة التي كثيرًا ما تكون مفرغة من جودة المحتوى، إلا أن أسلوبه وطريقة عرضه، واهتمامه باللغة، والموضوعية، والصناعة المهنية، عوّضته عن ذلك، وأكسبته متابعين كثرًا... ومثل هذا العمل يمثل جزءًا من تاريخ المملكة يجب ألا يستهان به، أو يقلل شأنه... إذ إن ظهوره في كتاب يسهل الاطلاع عليه، ويقربه للناس، ويحمي محتواه من الضياع».
تحية تقدير لشاعرنا المبدع الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي ولا زال الله منعمًا عليه بمنه وفضله.