د. إبراهيم بن جلال فضلون
«السلام والكرامة والمساواة على كوكب ينعم بالصحة»، ست كلمات وحروف عطف وجر، لم نجدها على أرض الواقع إلا ترجمة للخزي والعار الدولي، بموقع الأمم المتحدة، بأعضائها الـ 193 دولة، أكثر من ربعهم دول عربية إسلامية، 57عضوًا... «حيث يمكن لدول العالم كافة أن تجتمع معًا في مكان واحد، وتناقش المشكلات الشائعة وتجد حلولًا مشتركة»، إلا مشكلة واحدة، صنعها الغرب وعالمهُ الواهم بالنصر، لدويلة خالفت قرارات دولية ومجلس الأمن بأعضائه العشرة المُنتخبين، والخمسة الدائمين -الفيتو- وهُم (الصين والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة والاتحاد الروسي) منذ عام 1946م، -لا عزاء للباقين خارجهم-، إلا بالتحالفات، فقد اشتد ساعد إسرائيل بتحالفاتها، ولم يستطع أحد أن يُنقذ حتى المواليد حديثي الولادة، أو يقفوا على كلمة الصف، بإدخال الماء والطعام لشعب مُحاصر منذ 75 عاماً، وكل شيء أمام الجميع -لا سمح الله- لا رحمة- بعد 7-10-23، ليكون «الفم» اليهودي أعلى وفوق الأمم المُتحدة، وأن يتطاول سفيرهم على أمينها، ويطلب منه الاعتذار، بل والاستقالة.. إنهُ غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، الذي كتب على نفس الصفحة عبارات هي مُلخص لأحوالنا الآن قائلًا: «في النهاية، يتعلق الأمر بالقيم، ونريد أن يتم تحديد العالم الذي يرثه أطفالنا من خلال القيم المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة: السلام والعدالة والاحترام وحقوق الإنسان والتسامح والتضامن»...
ركزوا في أول عبارة (يتعلق الأمر بالقيم)، تلك اللاوجود لها في المحفل الدولي بوجود دولة احتلال، أدانها العالم إلا من تبعها من الماسونيين والغرب، وأميركا، ومن تلفح من قادتها بعمامة الملائكة، وتفاخروا بأنهم يهود، وأتوا راكعين ببوارج وحاملات طائرات وغواصاتهم النووية بجنودها، وقد اجتمعوا على 365 كم من مساحة فلسطين 6,020 كم2، أكثر بقاع الأرض اكتظاظًا بالسكان، (غزة) وأكثر من مليوني ونصف فلسطيني، وإبادة أكثر من 12 ألف شهيد منهم 43% أطفال، وتهجير وتشريد الباقين، في جرائم حرب ومجازر همجية وحشية لاإنسانية ترتكبها الصهيونية وتتباهى بأفعالها والعالم لا روح فيه.. فأي قيم تلك؟، فتبًا لها التي لم ترحم حتى الأجنة في بطون أُمهاتها.. تلك القيم التي أهانت العبارة التالية لها (نُريد أن يتم تحديد العالم الذي يرثه أطفالنا)، إنهم يا سادة يتحدثون عن عالمهم، أطفالهم هُم، لا أطفال وصفوا شعبهُ بـ(الحيوانات البشرية)، وعالمهُ بالغابة و(معاداة السامية)، وهُم لا يدرون أنهُم هُم من يصنعون من أطفالنا شهداء وأبطالًا، لقد كشف عار القناع عن الرأي العام العالمي ومعاييره المُزدوجة في تطبيق القانون الدولي، الذي ركبت عليه إسرائيل بجرائم حرب نصت عليها اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 ومُلحقها عام 1977، فهل تنفع التوصيات المرفوعة للأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية؟.. بعد تأكيد استعمال الفوسفور الأبيض المحرم دوليًّا على قطاع غزة.
لا لن تنفع، فالحرباءة تتلون وتتشكل لتخرج من كل داهية بمُصيبة أعظم، ولا ننسى مخالفات الحكومة الإسرائيلية للوضع القانوني والتاريخي للمقدسات، لا سيما (الأقصى) بمساحة 144 ألف م، هو مكان عبادة للمسلمين فقط وفق القوانين والوثائق الأممية المُثبتة بأرشيف عُصبة الأُمم وخرجت بعدها الأمم المتحدة، بقرارات خالفتها كلها دولة الاحتلال كقرارات مجلس الأمن 242 (1967) و338 (1973) و497 (1981) و1515 (2003) و2334 (2016)، لإنهاء الاحتلال لجميع الأراضي الفلسطينية والعربية، واستقلال دولة فلسطين كاملة السيادة على خطوط 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، واستعادة حقوق شعبه وتقرير مصيره وحق العودة وفق قرار الجمعية العامة الأمم المتحدة رقم 1994 لعام 1948.
لقد تقدمت أكثر من مئة منظمة و300 محامٍ في فرنسا إلى المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق في «إبادة جماعية» بقطاع غزة، وفتح تحقيق عام 2021 في جرائم حرب مُفترضة بالأراضي الفلسطينية، لا جديد ولا شيء سيكون. ولم يفهم اليهود وأعوانهم، بل ولن يستوعبوا الدروس مما قيل من بني جنسهم، فذلك الفيلسوف اليهودي «شمعون رافيدوفيتش (1869-1957) قائلًا: «لدى العالم العديد من الصور لإسرائيل، لكن إسرائيل لديها صورة واحدة فقط لنفسها: صورة شعب في طريقه إلى الزوال».
وفي مايو من العام الماضي، كشف»إيهود باراك» رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق في مقال بصحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مخاوفه من الزوال المُرتقب، بحجة ما أسمّاه «سُنَّة التاريخ اليهودي»، التي لم تمُر أكثر من 80 سنة إلا في فترتين استثنائيتين؛ فترة الملك داوود، وفترة الحشمونائيم وفق رواياتهم هُم، كما قامت بالفعل في أميركا الحرب الأهلية في العقد الثامن من عمرها، وإيطاليا الفاشية، وألمانيا النازية، والثورة الشيوعية بتفكك الاتحاد السوفيتي وانفرط عقده، ليتكرر المشهد بعد أربع حروب خاضها الاحتلال في غزة، لاسيما 7-10-2023 وليعلن المأزق المحتوم «بيني موريس» عام 2019 قائلًا: «لا يوجد مخرجٌ واحدٌ لبقاء إسرائيل بوصفها دولة يهودية، للتفوق الديمُغرافي الواضح للعرب مقابل اليهود، فحكم إسرائيل لشعب محتل بلا حقوق ليس وضعًا يمكن أن يدوم في القرن الـ 21 الحديث، وما إن تصبح لهم حقوق فلن تبقى الدولة يهودية».
لقد تراجعت الهجرة اليهودية من أوروبا وأميركا إلى فلسطين، ولا تبشِّر هذه الأرقام بخير لهُم؛ فهناك أكثر من 200 ألف يهودي في أوكرانيا، و500 ألف في روسيا، يُفضِّلون البقاء في بلادهم عن الهجرة إلى فلسطين وتراجعت في أوروبا بنسبة 20% عن العام الماضي، لتصبح المشكلة الأكبر لدولة الاحتلال «الهجرة العكسية»، والتي تعكس هشاشة الانتماء إليها، حسب استطلاع أجراه معهد «ميدغام» قبل 6 سنوات، وُجِد أن 44% فقط من يهود إسرائيل هم من يُعرِّفون أنفسهم بوصفهم إسرائيليين، و 27% يرغبون في الهجرة، وبعد طوفان الأقصى أعلن معهد البحوث الاقتصادية (ERI) عن دراسة تفيد بأن 56% من الشباب يُفكرون بالهجرة، وكشف تقرير صحيفة «أحرونوت» أن أكثر من 47% ممن هاجروا لا يودون العودة مرة أخرى.. لتسقط الأقنعة الماسونية وفكرة الدولة العبرية من النيل للفرات، فكيف لها وهي لا تستطيع على مساحة كغزة.