د. نايف الرشيد
ضمن روائع وجمال مملكتنا الغالية التي وحدها عاهل الجزيرة العربية الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- منذ ما يقرب من قرن مضى، إنها تتمتع بمناطق وأقاليم متنوعة ومترامية الأطراف، وتشتمل مملكتنا الغالية على مدن كثيرة، منها ما يقع أواسط أراضيها الواسعة، ومنها ما يقع على جبال جنوبها، ومنها في أعالي شمالها، ومنها على سواحلها الطويلة الغربية على البحر الأحمر والشرقية على الخليج العربي، ضمن تقسيم إداري رائع يتضمن ثلاث عشرة منطقة.
وضمن مسار التطور الحثيث والرقي في جميع المجالات الذي اضطلع بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- وصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -يحفظه الله- والحداثة في مواكبة النهضة العالمية التي نعيش رحاها في مملكتنا الحبيبة -حفظها الله- سيراً في خطى التعلّم والتجديد والتطوير في رؤية حكيمة ضمن مراحل مدروسة لصالح مستقبل الوطن والمواطن والمقيم وتماشياً مع رؤية سيدي ولي العهد 2030، فقد خطت المملكة أشواطاً متعددة لمسارات وخطط أكيدة نحو طريق صحيح ملؤه النور، وآمال لا نهاية لها.
ولعلي هنا كمواطن سعودي محب لوطنه المملكة العربية السعودية أتمكن من أن أساهم في إبداء الرأي عن وسائل جديدة لتحفيز تناسق مسار السيارات وكيفية حث راكبي المركبات ودفعهم الى التقيد بأنظمة المرور وطرق تخفيف التوتر بين بعض السائقين من مشاحنات وسوء ظن في اختلاف ثقافاتهم لتفسير أنظمة المرور والتقليل من حوادث وازدحام الطرق سعياً الى أن يثمر ذلك في سلاسة سير السيارات والتمتع بقيادة سهلة وآمنة والتقليل من إهدار الوقت، خاصة وأن المملكة ستحتضن -بإذن الله- بعد سنوات مناسبتين عالميتين كبيرتين هما: «اكسبو 2030» و»بطولة كأس العالم 2034».
إن غالبية الحوادث المرورية التي تقع في وطننا الغالي سببها عدم تقيد قائدي السيارات بالأنظمة المرورية التي وضعتها الدولة -أعزها الله- بحرص وعناية، حيث إن الإدارة العامة للمرور عملت جهودا كبيرة في مواكبة وتطبيق الأنظمة المرورية العالمية والداخلية والمساهمة في تطويرها على كافة المستويات، ولم تأل جهدا في السعي إلى تحقيق النتائج الإيجابية المرجوة التي تطمح لها في هذه المجالات، وذلك من خلال تطبيق الرقابة الإلكترونية لضبط المخالفين ووضع اللوائح والأنظمة لمراقبة المستهتر بشتى الوسائل العلمية والتقنية الحديثة كي تتم عملية ضبط سير السيارات بأفضل نسق على المسارات وخطوط الطرق المختلفة في أحسن ما يكون.
وفي تحليلي الشخصي أن النسبة الكبرى لأسباب وقوع تلك المخالفات تنشأ بسبب عدم التزام بعض قائدي السيارات بواحدة من أبسط وأهم القوانين المرورية المعروفة للجميع، ولكن بسبب إهمالها والتغافل عن ملاحظتها تؤدي الى نسبة كبيرة من الحوادث، وهذه المخالفة التي أتحدث عنها ولا يتقيد بها بعض سائقي المركبات الصغيرة والكبيرة هي بالتحديد، هي عندما يرغب السائق في الطريق الاتجاه الى المسار الأيمن أوالمسار الايسر دون أن يعبر عن رغبته بإعطاء إشارة توضح رغبته لمن خلفه، ونجده من يهمل ذلك بقصد منه أوجهل في إيضاح ذلك، ما يؤدي إلى إرباك وحيرة شديدة في الطريق من قبل قائدي السيارات الخلفية، ما يؤدي بهم أيضاً إلى اتخاذ قرار متسرع مثل: التوقف المفاجئ أو التوجه الى وجهة جديدة سريعاً أوالإبطاء في القيادة ما يؤدي أيضاً إلى إرباك سير الطريق بأكمله، وينتج عن هذه الصورة للتصرف المفاجئ الى ارتباك سائقي المركبات الأخرى التي في الخلف، باعتبار أنه اتخذ قرارا جديدا غير متوقع في تغيير مساره دون أن يتمكن من إعطاء إشارة إشعار لسائقي السيارات الاخرى التي خلفه، ما يجعل نسبة وقوع الحوادث تتضاعف، وتعتبر مشكلة التوقف أوالإبطاء المفاجئ في الطرق سبباً يؤدي الى فزع سائقي السيارات الخلفية وحتما سيؤدي الى الإخلال بنسق الطريق ومن ثم حوادث وخلاف بين قائدي السيارات التي كان من الممكن تفاديها، خاصة أن لدينا تنوعا في هيئة قائدي السيارات من ضمنهم كبار السن، نساء حديثي تعلم القيادة، سائق زائر للبلد لا يعرف طرقها ومخارجها ويكون جلّ تركيزه على الشوارع والمخارج وليس السيارة المخالفة التي أمامه.
وبطبيعة الحال فإن الواجب الاجتماعي يقتضي أن نكون جميعنا مسؤولين و(رجال مرور)، سواء كان قائد السيارة سعودياً أم ضيفا مقيماً، عرفاناً وولاء لهذه البلاد الطيبة المباركة التي ننعم بها بالرخاء، والرزق، والأمن، والأمان.
ولعل مظاهر إهمال السائقين لأنظمة المرور تعود إما لسبب: ضعف الوعي والتعلم، او اللامبالاة، أوضعف العقاب المناسب، فمثلا، تحدثت مع أحد الأشخاص خلال قيادته للسيارة بسؤال: لماذا لا تعطي تنبيه «إشارة» من سيارتك عند اتجاهك الى منعطف الشارع الذي ترغب دخوله، وكانت إجابته صادمة لي، وقال: هل تريد للمبة السيارة او فيوزها أن يحترق من أجل إعطاء الإشارة، ويأتيك آخر ويقول إن هذه اللمبة مجرد زينة وليس لها ضرورة كبرى، ولعلنا نستشف من ذلك بأن هذه الشريحة من المجتمع غير المثقفة تخبرنا عن جهل واقع عن فوائد هذه الأنظمة للمجتمع وسبل معالجة فهمها.
ولقد لمست خلال سنوات عملي خارج المملكة في السلك الدبلوماسي بأن الجهل يعتبر آفة متعبة لكل المجتمعات، فمثلاً خلال عملي لدى إحدى الدول، كانت تلك الدولة مكونة من عدة ولايات، وكان حاكم الولاية التي تعمل فيها ممثليتنا هي الولاية المثالية والمميزة من بين ولايات بلادهم، وذلك لوجود الكثير من مظاهر الالتزام بأنظمة المرور والرقي بتطبيقها، شهد لها بذلك التميز الكثير من الدول، وقد أخبرني أحد مواطنيها بأن ذلك التميز أثار في الماضي غريزة التنافس لدى الولايات الأخرى في بلادهم، وبحماس اجتهد مسؤولو تلك الولاية بإصدار أحكام مستعجلة، تأمر بفرض قوانين شديدة وصارمة لأنظمة المرور على مجتمع الولاية تيمناً بولاية العاصمة، وتم فعلا إجراء اللازم لذلك، لكن بدون دراسة واقعية مع تحديد مدة قصيرة لتطبيق التقيد بها، لكن محصلة النتيجة كانت الفشل، وذلك لأسباب عدة من ضمنها، مدة مهلة تطبيق النظام كانت قصيرة، طبيعة وثقافة مجتمع تلك الولاية يتسم بأنه من المزارعين والقرويين، وعدم إتاحة الفرصة لنشر الوعي الكافي لتعليم وتثقيف مجتمع الولاية بأنظمة المرور الجديدة، بينما نجد أن مقارنة ما تمكنت إدارة مرور ولاية العاصمة من تحقيقه كان على مدى سنوات طويلة من توظيف الكثير من الإمكانات ووسائل التعليم والتثقيف التي استهدفت جميع أطياف وخصائص المجتمع وبشكل أخلاقي وحضاري سهل ومستمر، إضافة الى تسخير وسائل الإعلام لتوظيف رسائل مباشرة وغير مباشرة لاستهداف قائدي المركبات لتحقيق أهدافها، والتي من ضمنها وسائل القوة الناعمة والمتابعة تارة بالتنبيهات وتارة بالعقوبات لمن لا يلتزم بتطبيق أنظمة المرور.
ولعل هنا تظهر الحاجة الى بناء قاعدة تعلم وتثقيف لفترات زمنية متدرجة لأي مجتمع يهدف إلى إنشاء ونشر وتثبيت ثقافة التقيد بالأنظمة المرورية، وإن للمثال السابق فائدة في توضيح عوائد التخطيط المستقبلي على مراحل زمنية لتطبيق المشاريع التنموية بشكل عام، ليتضح مطلب أساسي وضروري لأي مشروع مخطط له النجاح وأن يعطي ثماره ويعتاد عليه الناس ويستفاد منه في المجتمع، وليس أدل على ذلك أن دخول الراديو والتلفزيون الى المجتمع السعودي قبل مئة عام كان غير مسموح به في البداية ويعتبر من المحرمات ولكن مع التدرج والحكمة أصبح مقبولا ومن الضروريات.
إن احترام تطبيق أنظمة المرور في أي دولة يدل على رقي كبير يتصف به مجتمعه أمام المجتمعات الأخرى، لأن تطبيق نظام المرور يعتبر مثل نور مضيء للإنسان وصمام أمان لكل من: الماشي وقائد الدراجة، او السيارة والشاحنة، ما يعني سلامة جميع أفراد المجتمع ومصالحه في الطريق، وقد حث علماء المسلمين في المملكة والعالم الإسلامي على احترام قوانين المرور والتقيد بالالتزام بأنظمتها لما لها من فوائد ومزايا كثيرة تعود على الناس أهمها الحفاظ على سلامة أرواح الناس وأموالهم وأوقاتهم، ومن أجل نشر هذا الوعي و إزالة المفاهيم الخاطئة لإهمال إعطاء الإشارة في السيارة وتنبيه غيرها من السيارات على الطريق وغيرها من ضروريات أنظمة المرور يجب علينا السعي الى وضع الحلول.
استنتاجات الحلول والحوافز: إن طموحاتنا في بلادنا العظيمة كثيرة وليس لها حدود، فنحن نرغب أن نتبوأ أفضل مراتب التصنيف عالمياً ضمن صفوف الدول الكبرى تطورا صناعياَ وعلمياً وأنظمة، وإن ضعف الثقافة المرورية وعدم وضوح أهدافها وفوائدها لقائدي المركبات في الطرق والشوارع يعتبر أحد أهم الأسباب لعدم التزام بعض السائقين بتطبيق تلك الأنظمة، ومن أجل الوصول إلى الأهداف المنشودة لسلامة الماشي والراكب بأمان وسلاسة أكبر، ولكي نتمكن من تحقيق هدف من أهداف التنمية الوطنية للمملكة يتطلب منا تطبيق العناصر التالية:- التدرج في التطبيق من خلال الإعلان.
-وضع القوانين المؤكدة الصارمة.
-وضع الحوافز.
1-التدرج في التطبيق من خلال الإعلان: وتكون البداية من خلال إنشاء خطة إعلانية تثقيفية مدروسة تقسم الى مراحل زمنية متباعدة، تتضمن جميع وسائل الإعلانات المرئية والمسموعة والجرائد والمجلات وألواح الإعلانات في الشوارع ووسائل الإعلانات التقنية الحديثة والتقليدية، وتهدف خطة هذه الحملة الى تعليم وتعريف وتدريب شرائح المجتمع المختلفة عن عواقب عدم التقيد بالأنظمة المرورية، وفي المقابل فوائد الالتزام بها، وإن معرفة الأهداف النافعة والمهمة لأنظمة المرور سيؤدي الى استيعاب بأنها لم تعمل عشوائياً أوعبثاً وإنما هي أنظمة عالمية درست من قبل الكثير من العلماء والمختصين والدارسين والباحثين لأجل تحقيق الفائدة القصوى لأمن وسلامة الراكب، والماشي، الصغير والكبير، الرجل والمرأة، ومن الجدير ملاحظته أن تحقيق الهدف المنشود لتطبيق أنظمة المرور بسلاسة ومنطقية أن يأخذ في الاعتبار وجود شرائح متنوعة في المجتمع من سائقي المركبات تتضمن: كبار السن، المرأة، الأمي، القروي، المقيم الغريب عن البلد، والذين ربما لم يتمكنوا قبل ذلك من التعرف على الأهداف النبيلة لأنظمة المرور.
2-وضع القوانين المؤكدة الصارمة: ولتحقيق تطبيق أنظمة المرور التي تعطي دلالات واضحة على تقدم ورقي مملكتنا الغالية على قلوبنا التي دخلت في عصر جديد من التحديث والتعمير والتشييد والتخطيط بكل عزيمة وإرادة كي تصبح في مصاف الدول الكبرى في العالم، وأيضاً مثالا يحتذى به لبناء المشاريع العالمية العملاقة والاستثمار في التطور والتعليم والابتكار والتوسع في بناء المدن، والمدن الجديدة ضمن مشاريع، لذلك يجب علينا ألا نتساهل مع مخالفي أنظمة المرور ومعكري سرعة التنمية سواء بجهل أو إهمال، وذلك من خلال وضع الأنظمة الجزائية الرادعة لكل من يقصر ويهمل في تطبيق النظام.
3-وضع الحوافز: ولكي تتمكن الخطط الموضوعة من الحصول على النتائج المرجوة والنجاح في استيعابها وتقبلها في المجتمع ولإعطائها القدرة والكفاءة في سرعة استيعاب المجتمع لها، فإن الاقتصار على وضع خطط التثقيف بذاتها ربما لا يكفي، ومن أجل تحقيق الهدف المنشود يتطلب وضع حلول أخرى تؤدي بنا للوصول إليه، مثل وضع حوافز تشجيعية لكل سائق يمتثل بتطبيق هذه الأنظمة، ويكافأ الفائز من خلال
إعطاء الحاسب الآلي الأمر للاختيار عشوائياً في سجل قائدي المركبات الذين لم يرتكبوا مخالفات مرورية على مدى سنتين أوثلاث ماضية ووقع عليه الاختيار لحسن قيادته، ويكافأ الفائز بشهادة شكر وجائزة تقديرية مثل: كاميرة مراقبة للسيارة توضع داخل السيارة تساعد أيضا في الإبلاغ عن المخالفين أو بمبلغ رمزي من المال (250 ريالا)، وذلك ينم عن التشجيع للمتقيدين بأنظمة المرور وأيضاً تساعد في رفع الشعور بمشاركة المسؤولية الاجتماعية.
**
وزير مفوض سابق - وزارة الخارجية