د. محمد عبدالله الخازم
يقام قريباً معرض كتاب جدة، وهو الذي أصبح يشكِّل حدثاً مهماً في الحياة الثقافية السعودية وله مكانته بعد المعرض الأول، معرض كتاب الرياض. أحياناً تدور النقاشات، كيف تكون معارض الكتاب وما هي أولوياتها؟ النظرة التقليدية ترى بأن معرض الكتاب للكتاب وللناشرين وصناعة الكتاب، وتستنكر النشاطات الإضافية التي أصبحت تصاحب معارض الكتب. تلك، ربما نظرة تناسب عصر وهج الكتاب وقدرته على جلب الزبائن أو في ظل العمل المعتمد على الميزانيات الرسمية غير المهتمة بتعظيم العوائد المادية وتطوير وسائل التسويق والجذب وغير ذلك من العوامل.
حالياً، يبدو أن معارض الكتب تجاوزت تلك الفكرة إلى اعتباره معرضًا أو تظاهرة اقتصادية تسويقية ثقافية بالدرجة الأولى. وفي سبيل ذلك تصاحب معارض الكتب العديد من الأنشطة من ندوات أدبية وثقافية ورياضية وأنشطة الموسيقى والشعر والسينما وغيرها. الأمر ضرورة هنا لجذب شرائح مختلفة من المتسوقين والبائعين ومحبي الأنشطة الأخرى، إلخ. لا معنى لمعرض دون جماهير، فلربما استفاد زائر لدار نشر من حضور ندوة أو محاضرة أو ورشة عمل أو نشاط مصاحب. والعكس كذلك، ربما يتحفز من تستهوية ندوة رياضية لزيارة أقسام الكتب بالمعرض. لن استغرب إعادة تسميته مستقبلاً ليكون معرض الثقافة أو معرض الكتاب والثقافة.
على المستوى الشخصي، ليس فقط المتعة تجذبني للمعرض، بل إنني ككاتب ومؤلف أجد أهميته في تسويق وبيع كتبي وما يوفره من فرص للقاء القراء وحضور بعض الأنشطة الثقافية المصاحبة ذات الاهتمام. معارض الكتب تعني لنا الكثير، ونشكر القائمين عليها، دائماً. بالذات ونحن في زمن يتراجع فيه مستوى القراءة واقتناء الكتاب على المستوى الفردي والمؤسسي، ويتراجع عرض الكتب في منافذ البيع التقليدية من مكتبات ومحلات بيع الكتب.
ورغم مكاسبي من المعرض، فصوت الأكاديمي (داخلي) يود لو تم تطوير قواعد بيانات أكثر دقة وشفافية حول المعروض من الكتب والمبيعات وتصنيفها وعدد الزوار وغير ذلك من المعلومات الرقمية المهمة. فبالرغم من تنظيم معارض الكتب العربية على مدى عقود، فإنه لا يوجد أي رصد علمي دقيق لتطورها وعلاقتها بتوجهات القراءة والتعليم والثقافة والسياسة وغير ذلك من الأمور. يبدو لي الأمر ممكناً مع التقنيات الحديثة، رغم أن هناك من يرى بأن حالة اللايقين الرقمية هذه قد تبدو مريحة لدى كثير من أصحاب العلاقة؛ كتاب، ناشرون، عارضون، إلخ.
هي ظاهرة في معارض الكتب العربية والنشر العربي بصفة عامة، عدم الثقة في دقة المعلومات - إن وجدت- حولها. في دول متقدمة، عندما يشار إلى مبيعات الكتب وقوائمها وما يتعلق بها من أرقام، نأخذ الأمر على محمل الصدق. بينما عربياً، لا يوجد ثقة في الأرقام ولا مصدرها، كل يحاول تسويق بضاعته ولو كان بأرقام تقديرية أو تخيلية. يريد الناشر إقناعنا بضعف السوق ويريد الكاتب التباهي بضخامة المبيعات؛ كل يبحث عن ما يخدم هدفه ولا يوجد مرجعية موثوقة!
ختاماً، في عالم التقنيات المتقدمة وللمساهمة في التغلب على معاناة الأطراف ذات العلاقة بالكتاب في تحصيل حقوقهم المادية والفكرية، أقترح على أقطاب النشر المجتمعين بقيادة هيئة النشر أو اتحاد النشر أو من له علاقة، تبني فكرة تطوير وفرض عقد موحد أو نموذجي للنشر. ومن ثم إيجاد منصة - مستقبلاً- لتسجيل العقود وتوثيقها. وللتوضيح، قبل قليل وقعت عقد إيجار سكني بكل يسر وسهولة وثقة في عدم ضياع حقوقي، فماذا لو كان لدينا في عالم النشر نظام ومنصة مشابهة لمنصة إسكان الإلكترونية...؟!