د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
دفع رفع أسعار الفائدة الأمريكية منذ مارس 2022 عملات أكبر الاقتصادات الآسيوية إلى التراجع في ظل ارتفاع الدولار، ما يوسع الفارق بينها وبين نظيرتها الآسيوية وكان الين الياباني أكثر العملات الآسيوية تراجعاً بنحو 24.2 في المائة، بالطبع لم تتأثر العملات الخليجية في ظل ربطها بالدولار وظلت مستقرة، ومنذ رفع الفائدة ودائع البنوك السعودية الادخارية نمت 65 في المائة مقابل 1 في المائة للمجانية.
كانت الأسواق ترجح على بلوغ مستويات الفائدة الأمريكية ذروتها، وازدياد احتمالات خفضها في المدى المتوسط، قوضت تصريحات جيروم بأول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي آمال المستثمرين بشأن وصول معدلات أسعار الفائدة ذروتها لتتراجع الأسهم في غالبية المؤشرات مع عودة السندات إلى الارتفاع، لأن بأول شكك في أن معركتهم لمكافحة التضخم انتهت وأن مهمة إعادة التضخم إلى مستهدفه 2 في المائة لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه، وأضاف أنهم سيواصلون تشديد السياسة النقدية إذا اقتضت الحاجة فسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية عند 5.5 في المائة منذ يوليو 2023، وسعر الفائدة على ودائع البنك المركزي الأوروبي عند 4 في المائة منذ سبتمبر 2023.
منذ 2009 حتى نهاية 2022 بلغ إجمالي صافي مشتريات الأصول من جانب البنوك المركزية الكبرى، الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا وبنك اليابان نحو 20 تريليون دولار، لتحفيز الاقتصادات نتيجة انخفاض الطلب ثم ضربت الجائحة الأسواق ما أدى إلى مزيد من الإسراف في شراء السندات لتهدئة الأسواق، فاتجهت البنوك إلى تقليص ميزانياتها العمومية عبر التشديد الكمي باستثناء اليابان، لأن هدف التشديد الكمي تقليل السيولة في النظام، لأن الاحتياطيات الفائضة تشوه السوق الخاصة بتوفير السيولة وتوجد الاعتماد على البنك المركزي يمكن أن تؤدي إلى مخاطرة غير المناسبة، وإذا لم ينتهِ التيسير الكمي فينظر للبنوك المركزية إلى أنها تمول العجز الحكومي.
لكن وافق أكثر أعضاء مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي على قرار التخلي عن زيادة أخرى في تكاليف الاقتراض، في أعقاب الانخفاض الحاد في التضخم في منطقة العملة الموحدة التي وصلت نحو 2.9 في المائة في أكتوبر 2023 بينما في أمريكا 4.9 في المائة في أبريل 2023، فيما أتت السعودية كثاني أقل نسبة تضخم بين دول مجموعة العشرين التي سجلت في سبتمبر 2023 نحو 1.7 في المائة قد تكون أقل دولة في مجموعة العشرين لأنها انخفضت من 3.3 في المائة في 2022 بينما سجلت الصين نحو 2 في المائة لنفس العام.
لم يكن البنك المركزي الأوروبي وحده الذي اختار التجميد، حيث أبقى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وبنك كندا، وبنك إنجلترا، سياساتها دون تغيير، فيما تنخرط بنوك مركزية في دول ناشئة بما في ذلك البرازيل وبولندا في تخفيضات صريحة، خصوصاً بعد انخفاض نمو الأسعار الاستهلاكية بأكثر من النصف من أعلى مستوياته في الاقتصادات بما في ذلك الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، ما يعني أن مشكلة التضخم أصبحت تحت السيطرة، لكن لا يود محافظو البنوك المركزية الاحتفال بالانتصار فهم يودون التريث للتأكد من أن التضخم أصبح تحت السيطرة.
ما يعني أن البنوك المركزية عند نقطة انعطاف، وأن هذه نقطة الحد الأقصى من الثقة بالتوقعات، وترى البنوك عندما تكون متخلفة عن المنحنى من الأفضل لها أن ترفع الفائدة بسرعة للحاق بالركب، للشعور بالثقة أنها تسير بشكل صحيح، وعندما ترى أنها فعلت ما فيه الكفاية، عندها تقدم على الخطوة التالية، ممثلة في خفض الفائدة، هذا الحذر اكتسبته البنوك المركزية بسبب أن محافظي البنوك المركزية وضعوا في موقف صعب قبل عامين عندما ارتفعت نسب التضخم، نتيجة عوامل عديدة منها عمليات الإغلاق الكامل أثناء الجائحة، والنقص الذي تسببت فيه سلاسل التوريد، والتحفيز المالي الأمريكي الضخم أثناء الجائحة، وصدمات أسعار الطاقة الناجمة عن حرب أوكرانيا بداية عام 2022 الذي تسببت في تفجر أسوأ تضخم منذ عقود بين الاقتصادات الكبرى التي اقتربت من ذروة 10 في المائة.