عماد عسيري
في ثنايا رواية The Time Machine «آلة الزمن» الصادرة عام 1895، توقع كاتبها الروائي الإنجليزي هربرت جورج ويلز حتمية الصدام الطبقي بين الأغنياء والفقراء، ما يوجب تقليل الفوارق الطبقية ليعيش البشر في سلام ورفاه، وهو ما يلحظه القاصي والداني فيما تعتمده السعودية في خططها وإستراتيجياتها المستقبلية لتعيش الأجيال المتعاقبة في سلام ورفاه دائمين.
وقد استهوتني فكرة التحرك بآلة الزمن، التي استخدمها مخرجون عالميون في العديد من أفلام الخيال العلمي، لتعيدني إلى بداياتي الواعية في الذاكرة، مروراً بطفولتي وشبابي ورغبتي في العمل والزواج وصولاً إلى استقبال مواليدي تباعاً، ثم الانتقال لمرحلة دعمهم لشق الطريق الطويل ذاته.
وقبل أيام قليلة، انتهت رحلتي بآلة الزمن، وبدأت تتناوشني المتناقضات، بين إحساسي بأنني لازلت شاباً، وبين رفضي الانتقال إلى فئة «كبار السن» التي أجبُرت عليها بعدما قررت ابنتي ليلى وزوجها أحمد أن يمنحاني لقب «جدو».
ورغم لذة استقبال الجيل الثاني من ذريتك، وتعاظم هيبتك ووقارك، إلا أن «اللقب» يوحي برجل أشيب الوجه، يتكئ في خطواته المتثاقلة على عكاز معدني مصقول.. وهي صورة ربما لا تنطبق على محدثكم الذي لم يزل في منتصف الأربعينات، ولكن.. ما باليد حيلة، فما عليّ سوى الاستعداد لهذا الحفيد الذي لن يرضى بالطبع بالـ»5 ريالات» التي كان يمنحها لي جدي فأطير بها من السعادة، إذ يتوجب أن أهديه على الأقل «آيباد» أحدث موديل.
وللحق، لم أكن مقتنعًا كثيراً بالمثل «أعز الولد ولد الولد»، غير أنني وبوصول حفيدي الأول أو بالأحرى (سبطي)، أحببته حتى قبل أن أراه، وعادت بي الذاكرة للحظة استقبال أول مواليدي، وكيف شغلني التفكير في تربيته وتأمين مستقبله، فوجدت أن الفارق الوحيد بين اللحظتين، أنني لم أفكر كثيرًا في مستقبل (سبطي)، فاقتصاديات زمنه مختلفة، وتبشر بأنه سيترعرع في ظل إصلاحات اقتصادية هائلة تستهدفها رؤية المملكة 2030 على الأصعدة كافة، وتضع على رأس أولوياتها توفير جودة الحياة لضمان رفاه الإنسان السعودي.
حفيدي العزيز:
لا تقلق، فستجد في بلادنا كل شيء ميسراً وممكناً، فستتعلم في مدارس مجهزة بأحدث الأجهزة الإلكترونية، والمعامل المتطورة، وستلتحق بجامعة حكومية تحقق أعلى التصنيفات العالمية.
ولن تتكبد مشقة البحث عن وظيفة، فالملف الأخضر «العلاقي» أصبح من الماضي، وستجد وظيفة أحلامك بمجرد حصولك على الشهادة الجامعية، فما نشهده من إصلاحات واستقطابات تنبئ بأن الإثراء الوظيفي سيكون حليفًا لجيلك والأجيال القادمة.
ولا تقلق يا غالي، فإن البرنامج الوطني للطاقة المتجددة يضمن لك أن تستنشق هواءً نقياً، فمصانعنا أصبحت صديقة للبيئة، وبحلول 2030 سيصبح لدينا المزيج الأمثل لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وإزاحة الوقود السائل. وستعيش في مدن ذكية مدعمة بأحدث التكنولوجيا وتقنية المعلومات التي تشهد أسواقها نمواً متسارعاً في السعودية، مع توقعات أن يبلغ 103 مليارات ريال بحلول 2025، وستجد كل احتياجاتك على الإنترنت، بعدما رجحت تقارير رسمية ارتفاع التجارة الإلكترونية إلى 15 مليار دولار وزيادة مبيعات الإنترنت بنسبة 60 % سنويًا في العام ذاته.
واطمئن يا أعز الولد، فقد نجحت مملكتنا في استخراج معادن بقيمة تقدر بـ4.88 تريليونات ريال، فيما أسهم برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية في تطوير التشريعات واللوائح لتطوير الصناعة والتعدين، ما يؤهلنا لنكون دولة رائدة عالميًا في هذا المجال. كما ستصبح بلادنا مركزاً لوجستياً عالمياً، بعدما عملت الإستراتيجية الوطنية للصناعة على تأمين سلاسل التوريد العالمية، وتصدير منتجات عالية التقنية إلى العالم، عبر برامج مثل «صنع في السعودية».
بخلاف نجاحات وزارة البيئة والمياه والزراعة في رفع حجم إنتاج المياه بنسبة 45.4 %، وزيادة التوصيلات المنزلية بنسبة 25 % لتصل إلى أكثر من 2.50 مليون توصيلة، وزيادة تركيب عدادات المياه الإلكترونية بنسبة 1600 %، أفادت 31.47 مليون مستفيد.
حفيدي الغالي..
لا أجد في جنباتي أسئلة أذيّل بها مقالي كالعادة.. ويكفيني فخراً أنك ستكون في عمر الزهور حين تستقبل مملكتنا مونديال كأس العالم عام 2034. ويزيدني اعتزازا أنني أصبحت جداً لحفيد سيكون شابًا مستقرًا ينتمي لجيل الحالمين.