خالد بن حمد المالك
إسرائيل كيانٌ مدلّلٌ، ترفض حتى كلمة الحق حين تقال عن مجازرها في غزة، ولا تقبل من أي دولة أن تتحدث عن جرائمها، أو أن تقول إن نهاية العنف، واستقرار السلام لا يتحقق إلا بقيام دولة للفلسطينيين، هي هكذا منذ احتلالها لفلسطين، وما زالت, فحين طالب الأمين العام للأمم المتحدة بإيقاف القتال، وتجريم القتلة، طالب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في إسرائيل، وممثلها بمجلس الأمن بأن على الأمين العام للأمم المتحدة أن يقدم استقالته، وأنّ ما قاله عمل مشين، وما أن تحدث كل من رئيس وزراء بلجيكا وإسبانيا عن جرائم إسرائيل في غزة، وأن الخيار لإسكات الأصوات العسكرية القائلة هو بقيام الدولة الفلسطينية، سارع رئيس وزراء إسرائيل بإدانة هذا القول، واستدعى وزير خارجية العدو سفيرَيْ هاتين الدولتين في إسرائيل للاحتجاج.
* *
إسرائيل يعرف القاصي والداني أنها ترفض تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وأنها لا تلقي بالاً أو اهتماماً لأي إدانة عن سلوك مشين لها ضد الأحرار الفلسطينيين، وهي مطمئنة بأنها خارج قدرة المجتمع الدولي على معاقبتها، لأن لها ظهراً يسندها، وداعماً لا يتخلى عنها، ودولة تقف إلى جانبها، وتبرر لأفعالها هي الولايات المتحدة الأمريكية، بما يؤكد أن أكبر دولة بالعالم لا تستحق أن تكون راعية للسلام، أو جهة نزيهة يعتمد عليها في إطفاء أي مشاكل أو حروب أو نزاعات بين الدول.
* *
بدون أمريكا كان يمكن تحقيق السلام في منطقتنا، وبدونها كان يمكن أن يحل الأمن والاستقرار بقيام دولة للفلسطينيين ضمن قرارات الشرعية الدولية، لكن واشنطن هي من تعرقل المساعي، وتجمّد المبادرات، وتكتفي بالحديث عن تأييدها للدولة الفلسطينية بالكلام الذي لن يتم تطبيقه، أو تفعيله، أو التفكير بتحويله من كلام إلى فعل، وهذه هي سياسة أمريكا مع كل رؤسائها، وبخاصة مع الرئيس الحالي جو بايدن، الذي يريد بدعمه المطلق والمفتوح لإسرائيل استثماره في الحصول على أصوات الناخبين ليبقى فترة ثانية بالبيت الأبيض.
* *
الآن ومع الإعلان عن الهدنة بين حماس وإسرائيل، يتحدث الرئيس الأمريكي عن خيار الدولتين، وأنه خيار مهم ومطلوب الآن قبل أي شيء آخر، بينما تقول القيادة الإسرائيلية إن قواتها بدأت في الانتشار في شمال غزة استعداداً لبدء مجازرها في غزة باستئناف العمليات العسكرية، وكأنها بذلك ترد على رئيس وزراء إسبانيا بإسكات صوت الحقيقة الذي طالب بوقف الكارثة الإنسانية في غزة، وعلى رئيس وزراء بلجيكا الذي طالب إسرائيل بالتوقف عن قتل المدنيين، كونهما حسب زعم نتنياهو لم يحمّلا حماس مسؤولية الجرائم حين تحدثا عن القتل العشوائي في غزة وأنه غير مقبول، وأن ما قالاه ادعاءات كاذبة.
* *
يقول رئيس وزراء إسرائيل إنهم متأهبون لاستئناف القتال بعد انتهاء فترة الهدنة، وأنه ما كان له أن يقبل بالهدنة لولا الضغط الذي مارسه عليه الرئيس الأمريكي، وهو كلام لا يصدقه عاقل، فإسرائيل هي من سعت لهذه الصفقة لتخفيف ضغط الشارع الإسرائيلي على الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، وباعتراف الرئيس الأمريكي فقد عمل مع فريقه على مدار الساعة للتوصل إلى الهدنة، لكن كلام نتنياهو هو لحفظ ماء الوجه بعد أن كان يرفض أي صفقة لتبادل الأسرى، أو إيقاف القتال ولو بهدنة محدودة الأيام.
* *
الآن بدأت أحداث 7 أكتوبر تعطي أثرها، فها هي الدول الداعمة لإسرائيل تتسابق على إعلان دعمها لقيام الدولة الفلسطينة فوراً وسريعاً، وأنه لا خيار آخر لإنهاء التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتحقيق السلام بينهما إلا بالأخذ بخيار الدولتين، ويبدو - هذه المرة - بأن إسرائيل أمام إجماع دولي يحول دون إصرارها على تنفيذ حرب الإبادة والتهجير التي كانت ترى فيها إنهاء المقاومة الفلسطينية، ودفن أي تفكير للدولة الفلسطينية المنشودة، وهو ما يجب أن تفهمه إسرائيل والعالم، بأن أيّ تراجع عن هذا الإجماع فإن إسرائيل لن تكون آمنة وهو ما صرح به رؤساء وزراء كلٍّ من بريطانيا وبلجيكا وإسبانيا.