د. تنيضب الفايدي
حنين لغة: يجوز أن يكون تصغير الحَنان وهو الرحمة ويجوز تصغير الحِنّ وهو حيٌّ من الجن، وقيل: سمي بحنين بن قانية بن مهلائيل، وفيها وقعت غزوة حنين. معجم الأمكنة لابن جنيدل (177)، وحنين قريبٌ من مكة، وقيل: واد بجنب ذي المجاز، وقد ربطت بـ(حنين) غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى غزوة حنين، ملخصها.
وقعت هذه الغزوة في شوال سنة ثمان من الهجرة، وتسمى أيضاً غزوة أوطاس نسبة إلى الموقع وهو واد في ديار هوازن وتسمى أيضاً غزوة هوازن نسبة إلى اسم قبيلة. وسبب هذه الغزوة أن مكة لما فتحت وأصبحت شوكة قريش مكسورة أيقنت قبيلة هوازن وثقيف في الطائف أن الضربة التالية سيوجهها إليهم لا محالة، فعزموا على قتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يغزوهم، وسلموا القيادة إلى مالك بن عوف النصري وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة، وحملوا معهم أموالهم ومواشيهم ونساءهم وأبناءهم، لكي يثبتوا ولا ينهزموا ونزلوا بأوطاس، وقد اختار مالك بن عوف خططاً للثبات على الحرب ومنها الهجوم أولاً بدل الدفاع وقد جاءت هذه الخطة نتائج إيجابية في الجولة الأولى ولكن بفضل الله ثم بفضل ثبات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انقلبت موازين القوة فيما بعد، خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة مع اثني عشر ألفاً من المسلمين لمحاربتهم ولما اقترب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكان العدو رتب أصحابه وأعطاهم اللواء وقد نصب مالك بن عوف النصري الكمائن لجيوش المسلمين في منحنيات الوادي وكانت خطتهم رمي المسلمين بالسهام أثناء تقدمهم في وادي حنين المنحدر وذلك عندما أخذ هوازن مواقعها بين الجبال في الجانبين، (جبال وادي نخلة (الشرائع حالياً) وقد فوجئ المسلمون باختفاء تلك الكمائن لأنهم كانوا جاهلين عنها، فلما أمطروا على المسلمين بوابل من سهامهم انهزموا في الجولة الأولى، حيث اضطربت صفوفهم وماج بعضهم في بعض فلاذوا بالفرار، وتبعهم الناس منهزمين. وقد ثبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في موقعه في وسط المعركة ومعه نفر قليل من الصحابة وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يركض على بغلته البيضاء «دلدل» نحو هوازن وهو يقول: «أنا النبي لا كذب». وأخذ كفاً من تراب فرماه في وجوه العدو قائلاً شاهت الوجوه، وقال لعمه عباس اصرخ: يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة فنادى فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت على أولادها فأمرهم أن يصدقوا الحملة على العدو فاقتتلوا قتالاً شديداً فنظر إلى قتالهم فقال: «الآن حمى الوطيس» وذهبت مثلاً. انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (2/149)، المغازي للواقدي (2/885- 886)، غزوة حنين للشيخ باشميل، (ص128- 131).
جاء ذكر غزوة حنين في القرآن الكريم قال تعالى: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم} سورة التوبة الآية (25-27). وذلك لكي تبقى منبع الدروس الكثيرة للأمة الإسلامية إلى يوم القيامة، ولقد عرضت في القرآن الكريم على منهجية ربانية كان من أهم معالمها الآتي:
- بيَّن القرآن الكريم أن المسلمين أصابهم الإعجاب بكثرة عددهم قال تعالى:
{ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم...} ثم بين القرآن الكريم أن هذه الكثرة لا تفيد {فلم تغن عنكم شيئاً..}.
- بيَّن القرآن الكريم أن المسلمين انهزموا وهربوا ما عدا النبي -صلى الله عليه وسلم- كما ذكرنا سابقاً قال تعالى: {وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين}.
- بيَّن القرآن الكريم أن الله نصر رسوله -صلى الله عليه وسلم- في هذه المعركة وأكرمه بإنزال السكينة عليه وعلى المؤمنين فقال تعالى: {ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين}.
- بيَّن القرآن الكريم أن الله أمدّ نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالملائكة في حنين قال تعالى {وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين}.
- بيَّن القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم يقبل التوبة من عباده ويوفق من شاء إليها. قال تعالى: {ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم}. حديث القرآن عن غزوات الرسول -صلى الله عليه وسلم- دكتور محمد بكر (2/602، 603).
وهكذا انهزم أهل حنين، أخذ المسلمون غنائم كثيرة وقد بدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتقسيم الأموال فأعطى مؤلفة قلوبهم أموالاً كثيرة وذلك لحداثة عهدهم بالإسلام، حيث أعطى لزعماء قريش وغطفان وتميم عطاءً عظيماً وقد كبر ذلك على بعض الأنصار حتى جمعهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم خطب أمامهم خطبة بليغة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله:» يا معشر الأنصار مقالة بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قالوا: بلى، الله ورسوله أمن وأفضل. ثم قال : ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟ قالوا بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسوله المن والفضل. قال -صلى الله عليه وسلم-: أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم: أتيتنا مكذباً فصدقناك ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فآسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ فو الذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار. قال سعد : فبكى القوم حتى اخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسماً وحظاً، ثم انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتفرقوا. وفي رواية: «إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض. دفاعاً عن الحبيب للدكتور تنيضب الفايدي (77).
وقد صدرت هذه المقالة من بعض الأنصار حديث السن، فلما سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما حديث بلغني عنكم؟ قال له فقهاء الأنصار: أما ذووا رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئاً، وأما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا: يغفر الله لرسوله يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بالفكر أتألفهم. رواه مسلم برقم (1509).
وقد جاء وفد هوازن مسلمين فردّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أخذ منهم، وقد فرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسلام هوازن وسألهم عن زعيمهم مالك بن عوف النصري، فأخبروه أنه في الطائف مع ثقيف، فوعدهم برد أهله وأمواله عليه، وإكرامه بمائة من الإبل إن قدم عليه مسلماً، فجاء مالك مسلماً فأكرمه وأمّره على قومه وبعض القبائل المجاورة، لقد تأثر مالك بن عوف وجادت قريحته لمدح النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله
في الناس كلهم بمثل محمد
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى
ومتى تشاء يخبر عما في غد
وإذا الكتيبة عرّدت أنيابها
بالسمهري وضرب كل مهند
فكأنه ليث على أشباله
وسط الهباءة خادر في مرصد
وبحكمته ولينه ومرونته -صلى الله عليه وسلم- دخل هوازن وحلفاءها إلى صف الإسلام وبعد دخولهم مال بعض زعماء ثقيف إلى الإسلام مثل عروة بن الزبير الثقفي وتوسعت الدولة الإسلامية وبدأ المدينة تستقبل الوفود وأصبح مسح الشرك وإزالة الأصنام من الجزيرة العربية واستئصالها سهلاً.
قال حسن بن ثابت الأنصاري:
نصروا نبيهم وشدّوا أزره
بحُنين يوم تواكل الأبطال
وقال عباس بن مرداس السلمي وهو في جيش الإسلام:
ببطن حُنين يوم يخفق فوقنا
لواء كطخرور السحابة لامع
قال أحد الشعراء وهو يصف جند محمد صلى الله عليه وسلم:
ولما دنونا من حُنين ومائه
رأينا سواداً منكر اللون أخصفا
بملمومةٍ عمياء لو قذفوا بها
شماريخ من عروى إذاً عاد صفصفا
ولو أن قومي طاوعتني سراتهم
إذاً ما لقينا العارض المتكشفا
إذاً ما لقينا جندَ آل محمدٍ
ثمانين ألفاً واستمدوا بخندِفا
وقال بشر بن أبي حازم:
لعمرك ما طلابك أم عمرو
ولا ذكراكها إلا ولوعُ
أليس طلاب ما قد فات جهلاً
وذكر المرء ما لا يستطيع؟
أجدّك ما تزال تحنُّ هما
وصحبي بين أرحلهم هجوعُ
وسائدهم مرافق يعملاتٍ
عليها دون أرجلها قطوعُ
وكانت أم جعفر زبيدة زوج هارون الرشيد، قد أجرت ماء حُنين، إلى مكة في عهدها، ونقبت له ثنية خل حتى وصل إلى مكة غير أن عدم جدواه جعلها تجري عين نعمان وتتركه، وهي العين المعروفة اليوم بعين زُبيدة. معالم مكة التاريخية للبلادي (ص88).