مها محمد الشريف
مهما تعددت اللقاءات والقمم لا تزال أمريكا هي من يحدد الحوار العالمي، ومن المفروغ منه فإن الولايات المتحدة تمسك بزمام الأمور في الحرب والسلم، عدا المتغيرات الاقتصادية وصعود الصين إلى المواجهة، وهنالك الكثير مما يتوجب قوله بعد القمة والعوامل الكامنة التي تتعدى العلاقات الاقتصادية في الوقت الذي يكون فيه كل قرار هو اختيار محدد، فكانت القمة المنعقدة بين الزعيمين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ، في كاليفورنيا مباشرةً لأول مرة منذ عام في محاولة لتحقيق استقرار العلاقات المتوترة بين البلدين بعيداً عن الغرب والشرق وعن مواقع الصخب، لكن ما مدى الانطباع الذي ستخلفه أهداف ونتائج القمة وراءها؟
لو تساءلنا عما يمكن أن يحمله هذا اللقاء؟، لن نجد الكثير من الإجابات فكل ما هنالك سيادة أمريكية لها مفهوم يتجاوز القانون ويأخذ معنى ما وراء التشريع لبناء قاعدة قانونية تعزز قوتها، تحصد ثماره وتستخدم الصراع لمصلحتها، بعد التمدّد الصيني المتصاعد في أميركا الوسطى والجنوبيّة، والتنافس والتحديات على منطقة الشرق الأوسط التي تضم أكبرَ عدد من مشاريع مبادرة الحزام والطريق الصينية، والتقدم المادي بتطور صناعي وإنتاجي ضخم، والتقدم براً وبحراً بإنتاج غواصات نووية وبناء قواعد عسكرية تحمي تجارتها ومناطقها الاقتصادية والموانئ، وتفوقها في الفضاء الإلكتروني، والترويج الصيني الواسع لتكتل «بريكس».
أضف لها الدور الذي يمكن أن تلعبه الصين على المستوى العالمي ودخولها إلى شراكة تجارية لأميركا الجنوبية وثاني أكبر شريك لأميركا اللاتينية بعد الولايات المتحدة، والاهتمام بالمعطيات ضاعف إجمالي تجارة المنطقة مع العالم أربعة أضعاف فقط حسب الأرقام الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة الاقتصادية لأميركا اللاتينية، وجزر الكاريبي، والإشارة هنا إلى نجاح الصين في إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع كوستاريكا والبيرو التشيلي والتصرف بما يخدم أهدافهم.
من هنا، تحتم مقاومة التدفّق الصينيّ في نصف القارّة الجنوبيّ، فالتحديات اليوم لأمريكا شرق آسيا ووقف تمدد الصين، ويدرك القادة الصينيون جيداً أن طرق التجارة البحرية لبلادهم محاطة بقوى معادية من اليابان مروراً بمضائق ملقا وما وراءها، تدعمها قوة عسكرية أمريكية ضخمة، وبالتالي فإن الصين ماضية في تمددها غرباً باستثمارات مكثفة وتحركات متكاملة، فإذا قلنا إن هناك تغييراً، يعني أن أشياء سوف تحصل، بما أن أهداف واشنطن من هذه القمّة تطرح مسألة السيادة على شكل قرار وهدف بجعل نصفِ الكرة الغربيّ «المنطقةَ الأكثر تنافسية على الصعيد الاقتصاديّ في العالم»، إضافةً إلى أن تكون القارة الأميركية بأكملها، «آمنة ومزدهرة وديموقراطية، من أقصى الشمال الكندي إلى أقصى الجنوب التشيلي»، حسب تعبير الرئيس الأميركيّ. وهذا ما يفسّر تناول القمة مواضيعَ خارج الاقتصاد.
فلن يكون اللقاء واعداً للغاية، إذا اعتقد العالم أن المحادثات قد تخفف من وطأة درجة التوتر بين القوتين العظميين المتناحرتين بشأن الصراعات العسكرية والتجارة والذكاء الاصطناعي، والعديد من المواضيع ذات الاهتمام المشترك بين قطبي العالم وإحراز تقدم ملموس في حل الخلافات الشاسعة بين الدولتين العملاقتين اقتصادياً.
فكل شيء يشير إلى أن اللقاء يعول على كيفية إزالة الشكوك التي تتولد من التطور اللّا متساوٍ بين الدول، التي تضمن احترام كل وحدة سياسية لالتزاماتها الدولية، وخضوعها لقانون مشترك، فإذا كانت السياسة صراعاً، فلا يمكن غض النظر عن إرادة القوة، وكيف يستند السلام على هذه القوة وتداخلها في الأحداث؟، وبنفس الوقت لا تكف عن صنع صراعات قادمة، إلا في حال إثبات تفوقها وسيطرتها ويشعره الجميع أنه أكثر قوة وقدرة، لذا نقول لا يوجد نظام عالمي قائماً على المساواة في العالم الغربي.
بل سيظل ضرباً من التاريخ المستمد من عالم الواقع، والفرق الحقيقي يكمن في التعبير عن الحقيقة الكاملة الذي ناقش بايدن وشي قضايا تايوان وبحر الصين الجنوبي والحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس والحرب الروسية الأوكرانية وكوريا الشمالية وحقوق الإنسان، بهذا المعنى موضوعات يستعصي إيجاد حلول لها طالما لم يتمكن الرئيسان من حل خلافاتهما طويلة الأجل حيالها، فقد اعتاد العالم على المنافسة الحادة بين القوتين والمسألة برمتها معقدة بين القطبين.