أ.د.صالح معيض الغامدي
يعد نقد السيرة الذاتية في نظري من أكثر أنواع النقد حساسية مقارنة بنقد الأنواع الأدبية الأخرى، لأنه يتضمن تحليل التجارب الحياتية الذاتية والروايات الشخصية للكاتب. فنحن في نقد السيرة الذاتية لا ننقد النص فقط كما في الأحناس الأدبية الأخرى عندما نميل إلى فصل حياة المبدع عن نصه الإبداعي، إننا ننقد النص وبالضرورة ننقد كاتبه في الآن ذاته، إذ يتعذر الفصل بينهما. فالسيرة الذاتية هي جنس أدبي فريد من نوعه، لأنها توفر نظرة ثاقبة حول أفكار الكاتب وعواطفه وتاريخه الشخصي الخاص، وتجاربه المؤلة وعلاقاته بأفراد أسرته وأصدقائه وخصوماته مع الآخرين وغيرها من الموضوعات الحساسة، التي لابد من التعامل معها بشىء من التعاطف وعدم الحط من قيمة هذه التجارب المؤلمة التي يسردها الكاتب أو التقليل من أهميتها. ولذلك، ينبغي للنقاد عند الانخراط في نقد السيرة الذاتية، أن يأخذوا في حسبانهم بعض الاعتبارات الأخلاقية وأن يضعوا في اعتبارهم الطبيعة الشخصية للموضوع. فهم بحاجة إلى التعامل مع نقدهم بحساسية واحترام.
وعلى الرغم من أننا قد ذكرنا بأنه يصعب الفصل كثيراً بين شخص الكاتب وأحداث سيرته، إلا أن على نقاد السيرة الذاتية التركيز في نقدهم على محتوى السيرة وليس على شخصية الكاتب، إذ لا بد أن يتمحور النقد حول محتوى السيرة الذاتية بدلاً من مهاجمة المؤلف شخصياً. فالعمل ينبغي أن يُفصل عن الكاتب وأن تقييم نقاط القوة والضعف في السرد السيرذاتي أو في أسلوب الكتابة أو في أي أخطاء أو اضطراب في سرد الحقائق.
كما ينبغي أن نحترم ونحن نقوم بنقد السيرة الذاتية وجهة نظر المؤلف، فالسيرة الذاتية هي سرد لتجارب وأحداث ذاتية، وهذا السرد يتضمن تفسير المؤلف لهذه التجارب التي يعتمد في سردها بالدرجة الأولى على ذاكرته. وينبغي أن نحترم وجهة نظر كاتب السيرة الذاتية في سرد قصة حياته، ولا نحاكمها استناداً إلى وجهات نظرنا الخاصة، حول الكيفية التي ينبغي أن تكتب بها السيرة الذاتية والكيفية التي ينبغي أن تفسر بها أحداث الحياة.
ولا بد كذلك من وضع دوافع كتابة السيرة الذاتية لكل كاتب أو كاتبة في الحسبان ونحن ننقدها، فالسيرة الذاتية تخدم أغراضاً مختلفة، مثل الرغبة في فهم الذات وتوثيق التاريخ، و إلهام الآخرين، وتقديم رؤى معينة حول موضوع معين... إلخ. ولذلك ينبغي ألا نركز في نقدنا على استدعاء أمور وأشياء لم يفكر الكاتب في تضمينها في سيرته، وأن يتمحور نقدنا حول ما قرر الكاتب تضمينه في سيرته بالدرجة الأولى.
وأخيراً لا بد أن نكون متوازنين في نقدنا للسيرة الذاتية وذلك بذكر جوانب القوة وإبرازها والإشادة بها، وذكر جوانب الضعف فيها، بطريقة يكون الهدف الرئيس منها الارتقاء بالعمل وتقديم تعليقات بناءة يمكن أن تساهم في إثراء تجربة كاتب السيرة الذاتية ويفيد منها الكاتب في تعميق تجربته السيرذاتية، ويفيد منها كل من هو مهتم بهذا الجنس الأدبي قراءة وكتابة، ولنتذكر بأن وظيفة النقد عموماً ونقد السيرة الذاتية خصوصاً ليس هو النيل من المؤلف والإطاحة به وبعمله، بل تبصيره وتجويد عمله والارتقاء به وإثرائه.