خالد محمد الدوس
ولد عالم الاجتماع الفرنسي (ريمون بودون) في العاصمة الفرنسية باريس عام 1934 ودرس في المدرسة العليا للمعلمين، وحصل على الإجازة في الفلسفة والدكتوراه في علم الاجتماع من (جامعة بوردو)، وعمل أستاذاً في جامعة باريس التي تعد واحدة من أقدم جامعات أوروبا التي تأسست في منتصف القرن الثاني عشر، كما عمل في (جامعة بوردو)، وهو من العلماء الرواد المعروفين بأبحاثهم حول الحراك الاجتماعي والتربوي، وعدم تكافؤ الفرص، وكذلك أعماله السوسيولوجية وإسهاماته العلمية في ميدان علم الاجتماع، كما دافع (رائد الفرادنية المنهجة) على علماء الاجتماع التقليديين الكلاسيكيين الذين كانوا يعتمدون على المنطق وعلى القليل من المنهج التجريبي، حيث جاءت معظم أطروحاته العلمية في إطار الفلسفة الاجتماعية، وفي عام 1960م توجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وناقش مع علمائها عدة قضايا اجتماعية وسياسية.
ومن خلال الاتصال بهم، توجه نحو التحول نحو الأساليب الكمية في علم الاجتماع بعدما كان يعالج القضايا بأساليب كيفية.
ومن أبرز مؤلفاته ومنشوراته (كتاب استخدامات البنيوية 1971، وكتاب التعليم والفرص وعدم المساواة الاجتماعية (1974)، ومنطق العمل الاجتماعي (1981)، وكتاب نظريات التغيير الاجتماعي (1986) والتحليل الأيديولوجيا (1989). وفن الإقناع الذاتي (1994)، وكتاب أصل القيم (2000).
ويعتبر العالم الراحل ضمن الجيل الثاني من علماء الاجتماع المؤثرين ومن أشهرهم بيير بورديو، وميشيل كروزير. الآن تورين، ومن أكثر العلماء الذين تأثروا بفكر ومنهج عالم الاجتماع الألماني الشهير (ماكس فيبر) ليبني نظريته أو مدخله السوسيولوجي «الفرادنية المنهجية». في علم الاجتماع التي تقوم على اعتبار الفرد العنصر المركزي في التحليل السوسيولوجي، ويعرف الفرد باعتباره يضم خاصيتين، هما العقلانية سلوك غير ميكانيكي، والاستقلالية من خلال قيم ومعتقدات خاصة، ويتم ذلك ضمن وضعية معينة، كما أن البنى الاجتماعية ليست هي التي تحدد الفعل الاجتماعي -بحسب بوردن-، إنما مجموع الأفعال الفرادنية هي التي تولد الظواهر الملموسة، فالفرد في سوسولوجيا ريمون بودون من الأسباب الأساسية في حدوث الظواهر الاجتماعية، وبالتالي هو نواة التحليل السوسيولوجي. وما يميز العالم الراحل أنه كان شديد الحساسية والاعتراض على النظرية الماركسية المؤسسة على منطق الصراع بين الطبقات الاجتماعية التي وضع أسسها ودعائمها الأب الروحي للنظرية الصراعية العالم والفيلسوف والمفكر (كارل ماركس)، معتبراً -بودرن- أن الماركسية تسحق الفرد، وتغتاله باسم الطبقة والصراع الطبقي، فرؤيته تتأسس على توجه جديد، يهدف إلى دراسة الواقع الاجتماعي بناءً على الفرد وليس على الطبقة، إعطاء الأسبقية لفرد كمقولة تحليلية في نسق التفكير السوسيولوجي، يؤدي إلى بناء نموذج جديد على مستوى المنهج السوسيولوجي في إرساء قواعد الفردانية وإعادة ترتيب وحدات التحليل السوسيولوجي مع إعطاء الأسبقية للفرد على الكل وعلى النظام.
أشرف العالم الاجتماعي المعروف (ريمون بودون) إلى جانب عمله الأكاديمي في جامعة باريس العريقة على سلسلة اجتماعيات بدار المنشورات الجامعية بفرنسا، وكان عضواً في عدة أكاديميات كبرى كأكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية، والأكاديمية البريطانية، والمجمع الملكي بكندا، والأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم.
تركزت جهوده حول فكرتين أساسيتين الأولى: هي أن كل ظاهرة اجتماعية أياً ما يكون غموضها وتعقيدها، يمكن إحالتها على أفعال الأفراد وتفاعلها مع بعضها البعض، أي أنه يلغي كل الكيانات الغامضة كالبنى الاجتماعية والطبقات، التي يشاع أنها تقرر مصير البشر، والثانية هي أن الأفراد في الغالب لهم مبرراتهم فيما يفعلون، حتى وإن لم يكن دائماً لتلك المبررات ما يوحي بأنها خاضعة لعقلانية موضوعية ومحسوبة.
توفي العالم الفرنسي الشهير (ريمون بودون) في عام 2013 بعد أن تزعم حركة تجديدية أصيلة في علم الاجتماع.. وترك منجزات علمية وإسهامات ثرية كأب للتيار الفرداني في علم الاجتماع.. وكواضع أيضاً لأسس الفرادنية المنهجية.. التي قدمت هذه النظرية العديد من الإضافات لفهم ودراسة الشأن الاجتماعي والتربوي، وأضحت بالتالي مرجعاً لكثير من الأبحاث العلمية والدراسات السوسيولوجية التي أثبتت جدواها بالنظر إلى نتائجها التي تقدمها على المستوى الميكرو-سوسيولوجي مقارنة بالمقاربات الماكرو-سوسيولوجي حيث أتت بمفاهيم جديدة، جعلت الفرد يحتل مكانة مهمة في خارطة التحليل السوسيولوجي التربوي. لأنه -وبحسب بوردون- هو أساس تشكيل وفهم الظواهر الاجتماعية والتربوية.. داحضاً النظريات الاجتماعية التي تجعل الفرد نتيجة للظواهر الاجتماعية.