د.شريف بن محمد الأتربي
تظل كلمة معيار أو معايير، هي القاسم المشترك في المحادثات والمناقشات كافة التي تجري بين الشركاء في العمل لتحديد نقطة الانتقال من الفشل في تحقيق الهدف إلى تحقيق الهدف.
فالمعيار أو المعايير يُقصد بها: مجموعة من المقاييس والقواعد المُنظِّمة للقيام بالأشياء، وهي الخطوط العامة التي يرجع إليها أصحاب القرار والعاملون في المؤسسات والشركات على اختلاف موضوع عملها، حيث يُعتبر هذا المفهوم العريض شاملاً لمناحي الحياة، فنجد معايير للقطاع الصحي، ومعايير للتجارة والتسويق، ومعايير للمناهج التعليمية وتقييم الطلبة والمعلمين.
قد يشمل معنى كلمة معايير الضوابط التقنية التي من خلال العمل بها ومراعاتها، يصح عمل الآلة أو النظام التقني للكثير من الآلات أو الأجهزة، ومن ناحية أخرى، فإنّ تطور المفاهيم التنظيمية دفعت إلى بروز مفهوم (المعايير العالمية) التي تتميز بالدقة والموضوعية العالية، وتسعى العديد من الهيئات إلى رفع جودة أدائها وعملها مراعاةً لهذه المعايير.
تضع جميع الدول أهدافاً واضحة للتعليم، تنبثق هذه الأهداف من الحاجات الملحة للمجتمع ومتطلباته، وكذلك فيما يخص الرؤية المستقبلية للدولة نفسها، وأهمية توفير الكوادر المستقبلية المؤهلة للعمل بكفاءة وقدرة عالية.
وحتى يتم ذلك، وضعت كثير من المنظمات العالمية والمحلية، معايير للأداء التعليمي، شملت المعلم والمتعلم والمقررات، وكذلك البيئة التعليمية والمدرسية.
يأتي دور المعلم في العملية التعليمية في المقام الأول، فالمعلم الجيد يصنع الفارق، حتى لو لم تتوافر له أي إمكانات، بينما المعلم الضعيف يفسد عملية التعليم برمتها، ولو توافرت له كل مقومات النجاح، وحتى يصبح المعلم جيداً لا بد أن يخضع لعملية تقييم، وتقويم خلال فترة العام الدراسي، بحيث يمكن الحكم على عمله في نهاية العام قياساً بالمعايير المحددة لهذا التقويم، ويتخلل هذه الفترة عدة تقييمات، تساعد المسؤولين على تعزيز النجاحات، ومعالجة الأخطاء التي يمكن أن تؤدي إلى نتائج غير مرغوبة.
وضعت العديد من الجهات والمنظمات معايير محددة لتقويم المعلم، بحيث تشمل هذه المعايير جوانب عدة، مثل معايير الصفات الشخصية والعلاقات الإنسانية، ومعايير التواصل، ومعايير التخطيط وإدارة البيئة التعليمية، كما تتضمن هذه المعايير الاستراتيجيات التي يتبعها المعلم في تقييم طلابه، إلى جانب المعايير المرتبطة بمهنية المعلم.
بدأت علمية وضع المعايير في التعلم حين وجدت الدول الكبرى أن التعليم مرتبط باستمرار نهضتها، فبدأ الأمر بوضع توصيف دقيق أو عبارات وصفية محددة، لضبط ما يجب أن تكون عليه العملية التعليمية بكل جوانبها، وتعتبر هذه العبارات الوصفية بمثابة المستويات المعيارية التي تسعى هذه الدول للوصول إليها، حيث تمثل محكات (مقاييس) يقاس في ضوئها مدى تقدم التعليم.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أكثر الدول التي اهتمت بوضع معايير التعليم، خاصة بعد إطلاق الاتحاد السوفيتي أول صاروخ في الفضاء لجمع المعلومات، فبدأت آلية وضع المعايير مع قيام «حركة تحديث بنية العلوم» بالنظر إلى محتويات المناهج الدراسية، للتأكد أنها صادقة، بناءً على مقاييس التقدم العلمي المعاصر، وأنها مشروعة ومبررة اجتماعياً، وأنها قابلة للتعلم.
وتوالت بعد ذلك عملية وضع المعايير لتشمل العملية التعليمية كافة.
تمر عملية متابعة تحقق معايير التعليم بمراحل عدة، حسب الفئة المحددة، فالطلبة مثلاً يتم التأكد من تحقيقهم معايير التعلم من خلال نتائج الاختبارات النهائية، والاختبارات الدولية، وكذلك اختبارات القبول بالجامعات، وغيرها من المحكات التي تظهر مدى تحقيق الطلبة لمعايير التعلم، أما المعلم فيتم قياس مؤشرات تحقيق المعايير الموضوعة له من خلال عدة أنواع من التقييمات، والتي تشمل التقييم الذاتي، وتقييم النظير (الزملاء)، وتقييم مدير المدرسة، وتقييم المشرف التربوي، وتلجأ بعض المدارس إلى اعتماد تقييم الطلبة أيضاً لمعلميهم، إلى جانب الاستفادة أيضاً من تقييم أولياء الأمور.
تضمن المعايير في التعليم تحقيق الجودة المطلوبة، حيث تمثل الحد الأدنى من مستوى الجودة الذي يجب الوصول إليه، وتوضح المعايير التوقعات الأدائية المطلوب من المعلم تحقيقها، ليحقق تعلماً جيداً يتوافق مع مخرجات التعلم العالمية، كما توضح المعايير للطلاب وللمعلمين وأولياء الأمور وجميع المؤسسات المجتمعية مواصفات خريجي النظام التعليمي، وتسهم في تعرف سوق العمل ومؤسسات التعليم العالي على المهارات التي يتمتع بها الطلاب في نهاية مرحلة التعليم العام.
وتكشف عمليات التقييم القائمة على المعايير، عن مواقع القوة والضعف في مسار العملية التعليمية، خاصة مواضع الضعف التي تحتاج إلى تطوير لكي تتواكب مع معايير المناهج المطورة، ومع المستجدات العلمية والتربوية، ومع توقعات المجتمع بكل فئاته.
إن وضع معايير تقييم واضحة وشاملة للمعلم، تسهم بشكل كبير في تحقيق أهداف العملية التعليمية بشكل خاص، وبأهداف التعليم بشكل عام، فأهمية المعايير بالنسبة للمعلم كونها تعطي فرصة للمسؤولين لمتابعة الأداء أولاً بأول، والعمل على تطوير أساليب واستراتيجيات التدريس التي يتبعها المعلم مع طلابه، كما تحدد تلك المعايير وبدقة المعارف والمهارات التي على المتعلمين امتلاكها، سواء من خلال المعلم أو من خلال التعلم الذاتي، وتعطي المعايير مساحة من الحرية للمعلم لاستخدام مصادر تعلم مختلفة بدلاً من الاعتماد على الكتاب المدرسي، إضافة إلى ذلك فإنها تساعد المعلم على اختيار وتصميم الأنشطة التعليمية التي تتناسب واحتياجات طلابه.