د. عبدالعزيز بن حمد القاعد
ركزت أدبيات استدامة التنمية الاقتصادية على أهمية التعليم والصحة كمرتكزات أساسية غير قابلة للمساومة لتحقيق التنمية المستدامة وتحقيق الرخاء الاقتصادي، فهي تعتبر حقوق أصيلة لكل إنسان على وجه البسيطة.
الجدير بالذكر أن بعض الدراسات الاقتصادية أرجعت ارتفاع مستوى إنتاجية الأيدي العاملة إلى ارتفاع مستوياتهم التعليمية والتدريبية.
لقد عُني برنامج بناء القدرات البشرية بالمملكة ببناء الكوادر البشرية المؤهلة في مجالات التنمية كافة، بتشجيع وتمويل من حكومتنا الرشيدة، وإن حرص قادتها على كفالة الحق في التعليم في أي وقت وعند أي عمر منبعه الحرص على تكافؤ الفرص في التعليم، ومن ثم التوظيف، والدليل على ذلك رفع السقف العُمري لمن يرغب في التأهيل الجامعي في كل التخصصات.
كذلك كفالة الحق في الصحة ابتداءً من مجانية الرعاية الصحية وانتهاءً بتطبيق نظام التأمين الصحي منتصف عام 2024 لكل المواطنين مدى الحياة ودون سقف وبتمويل كامل من خزينة الدولة -رعاها الله-.
يُعرف البنك الدولي تنمية القدرات البشرية (من ضمن عدة تعاريف) على أنها تتشكل من المعرفة والمهارات والصحة التي يراكمها الناس خلال سنوات حياتهم، وتمكنهم من تحقيق تطلعاتهم كأعضاء منتجين، مع العلم أن قدرات وإمكانات الأفراد العلمية والثقافية تتفاوت، كما وأن ميولهم تجاه التخصصات والمجالات الدراسية بشقيها العلمي والأدبي تتجاذبها الرغبة والقدرة، وعليه فإن مكانة الأمة بين الأمم مرتبط بإمكانات مواطنيها الثقافية والعلمية والرياضية، ولا أدل على ذلك من وجود جوائز عالمية (كجائزة نوبل) للثقافة والآداب والاقتصاد.
من جانب آخر، تضمنت رؤية المملكة 2030 العديد من مجالات حقوق الإنسان، كالحق في الحياة، والحق في الأمن، والحق في الصحة، والحق في التربية والتعليم والتدريب والحق في العمل وحماية الأسرة وتمكين المرأة، وتعزيز المشاركة في الحياة العامة وغيرها.
وتجدر الإشارة إلى أن الرؤية قد ركزت كذلك على تحقيق التنمية المستدامة، من خلال وضع استراتيجية متكاملة للتنمية البشرية بالمملكة، والتي من بين أهدافها ضمان جاهزية المواطنين للمستقبل وإعدادهم كمنافسين عالمياً، حيث تقوم هذه الاستراتيجية على 3 مرتكزات أساسية: تطوير أساس تعليمي متين ومرن للجميع، مع الإعداد لسوق العمل المُستقبلي محلياً وعالمياً، وكذلك إتاحة فرص التعليم مدى الحياة من خلال نشر اللغة العربية والاعتزاز بها، ناهيك عن إتاحة فرص الابتكار وريادة الأعمال، وتشجيع تطوير المهارات بشكل مستمر، بالإضافة إلى إتاحة فرص التدريب للأفراد مدى الحياة.
وضمن منطق الواقعية، فقد أولت خطط التنمية الاقتصادية المحلية في مُجملها تطوير وتأهيل العنصر البشري عناية فائقة لإيمانها بأهميته وقدرته على المساهمة والإبداع في إيجاد حلول علمية تطبيقية للمُعضلات التي تعترض التنمية. فالسياسات التدخلية من أجل التنمية لن تتحقق بمجرد استيراد التكنولوجيا، سواء كانت آلات أو معدات، نقل المبتكرات العلمية، أو حتى بتراكم رأس المال المادي فقط، بل من خلال عملية ذات مرتكزات وأبعاد عميقة وشاملة لا تعتمد على تنمية المهارات الفنية والقدرات الإدارية فحسب، بل إحداث نقلات في الطرق والوسائل العلمية والتكنولوجية بحيث يواكبها تغيير في الاتجاهات الاجتماعية والفكرية السائدة.
بيد أن المملكة -ولله الحمد- تتمتع بثقة وسمعة عالية مكنتها من القيام بدور ريادي مبني على المصالح المشتركة وروابط الأخوة والقيم الإنسانية، ولم تأت هذه المكانة من فراغ إنما من خلال مجهودات ملموسة على المستويين الاقليمي والدولي والدليل هو ما تقدمه المملكة من دعم دائم للمؤسسات والمنظمات الاقليمية والدولية المعنية بالإنسان تنميةً وحقوقاً كشاهد من ضمن شواهد كثيرة لا يتسع المجال لحصرها. فهي وبإمكاناتها الدينية، السياسية، والاقتصادية ذات نفوذ بارز، ناهيك عن مكانتها في السوق البترولية الدولية. ولكي تبقى فاعلة على الساحة الدولية، لا بد من تحقيق التنمية الاقتصادية وبوتيرة متسارعة من خلال العمل الجبار على استثمار العائدات النفطية الهائلة من أجل خلق قاعدة إنتاجية متنوعة، تضمن استمرار رفاهية المواطن والتخفيف من تقلبات إيراداته المستقبلية. وضمن المنطق الاقتصادي، فإن الإصلاحات الاقتصادية (والتي تحقق منها الكثير) تعتبر الركيزة الأساسية لأي خطوة مستقبلية بجانب تسريع وتيرة توظيف الفرص الاستثمارية المتاحة من أجل تحقيق الأهداف التنموية المرسومة، فما التخطيط الاقتصادي الذي تتبناه الدولة منهجاً إلا من أجل استكمال بنيتها التحتية مع العمل على توسيع وتطوير أسواقها المحلية.
وعلى هذه الأرضية الصلبة، ولكي يكتمل عقد المنظومة الحقوقية، فقد عُنيت الدولة -رعاها الله- بتأسيس هيئة لحقوق الإنسان في 19 سبتمبر 2005، والتي تهدف إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان بالمملكة، وذلك وفقاً للمعايير الحقوقية الدولية ونشر الوعي بها ضمن أحكام الشريعة الإسلامية. وقد تشرفت بإدارتها المتجددة وبرؤية ثاقبة وبطموح يناطح السحاب معالي الدكتورة هلا بنت مزيد التويجري، ويعاونها في إدارة هذا الجهد الجبار معالي الدكتور هشام بن عبدالرحمن آل الشيخ، وذلك من خلال تفعيل كل القنوات الداخلية المُتاحة من مجلس ولجان الهيئة المتنوعة، والتي تُعنى بالجوانب الحقوقية كافة، إضافةً إلى الاهتمام بالتواصل المحلي والدولي لوضع الهيئة ضمن قائمة الجهات الحقوقية الدولية الفاعلة.
كل هذه الجهود تنصب على التأكد من إعمال حقوق الإنسان بمستوياتها كافة كواجب ديني ووطني ودولي في مناحي الحياة كافة ولكل مواطن ومقيم. ولسرعة تحقيق ذلك، فقد تم تفعيل رؤية إدارية حديثة وفاعلة من خلال إعادة هيكلة الهيئة إدارياً بناءً على مقتضيات التحديث وسرعة الإنجاز، حيث تعمل رئاسة الهيئة جاهدة، وفي سباق مع الزمن لرفع صوت هيئة حقوق الإنسان السعودية عالياً وصادحاً بكل ما أنجزته وستنجزه المملكة من إصلاحات حقوقية بقيادة حكومتنا الرشيدة، والعمل على تنفيذ وتوظيف الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
* * *
- عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان