عبدالله إبراهيم الكعيد
كان حواركم على شاشة التلفاز ليلة البارحة ساخناً، فقد لامستم الموضوع بشمولية، ولكن من سيسمعكم؟
- وكيف عرفت أن لا أحد سمعنا أو سيسمعنا؟
يعود للتأكيد بأن ذلك هو ما يتم في العادة، إذ حالما ينتهي الحكي المُتلفز ويرحل ضيوف الحوار ويُلملم المذيع قصاصاته إلا وتنتهي الحكاية برمّتها- حسب رؤيته السلبية.
يواصل انتقاده: لقد أصبحتم غير مؤثرين كما كنتم في السابق، فلم يعد أحد يكترث بكم، والدليل أنه لم يتغير أيّ شيء بعد بثّ الحلقة!
هذا النموذج السطحي يمتلك نصف حقيقة وربع معلومة وقربة مليئة بالهواء حتى ليظن أن كل انتفاخ يعني شحمًا ودسمًا!
ها هو في موقف آخر يقرأ المقال ويُعيد قراءته مرة أخرى ثم يُلقي بالجريدة جانبًا وهو يتأفف:
أما قلت لك بأنكم تنفخون في قربة مشقوقة؟ فكل من توجهون له الخطاب قد سدّ أذنيه فأذن من طين والأخرى من عجين، فمقالك هذا (مثلا) ستذهب كلماته مع الريح كالمعتاد فلا تتعب نفسك.
صاحبنا هذا يمتلك نمط تفكير سلبي فمهما كان المشهد سويًا إلا أنه يراه مأساويًا لا ينظر إلى الجانب المشرق، فالقمر من وجة نظره في حالة خسوف دائم.
في ذهنه صور سلبية منمّطة غير قابلة للتغيير مهما كانت الحقائق واضحة وإيجابية.
لا يُحبذ الاستماع للمتحاورين أثناء المناقشات الواقعيّة التي تعتمد على الأرقام والإحصاءات، فهو لا يحتمل سماع ومتابعة مثل هذه الطروحات المتعمقة، فهو سطحي صاحب رؤية أحادية حادة فإما أسود أو أسود، فهو يرى من خلال نظارة سوداء قاتمة، من هُنا لا نتيجة تُرجى من محاولة إقناعه حتى ينزعها ويرى الحياة بكل ما فيها من أضواء وألوان بتجرّد واختلافات.
صاحبنا شغوف بمتابعة الأخبار كمادة خام دون تحليل أو تمحيص أو فلترة، لهذا يراها يقينيات وهو المعني شخصيًا بتحليلها فيهرع لإعادة إنتاجها بين الأصحاب والمريدين حسب منظور (القربة المشقوقة) وإعطاء النتيجة النهائية غير القابلة للدحض أو التشكيك!
المصابون متلازمة كهذه (إن جازت التسمية) يطالبون بصفة دائمة إبراز الأدلة التي استند عليها المتحدث أو الكاتب باهتمام (الرسمي) أو أصحاب العلاقة لما طُرح ويُطرح في وسائل الإعلام والاتصال.
فيرددون دائمًا جملة «يا رجّال ما حولك أحد».
يصبح بعدها الحوار جدلاً بلا معنى فتُنهيه بابتسامة لعل النفخ يتوقف ولا تحتاج القربة إلى من يرتق شقوقها.
أجزم اليوم بأن أجهزة متابعة ورصد كل ما يُبث أو ينشر في الوسائل الاتصالية قديمها وحديثها تهتم وتتفاعل بشكل دائم وفوري، فكم سمعنا وشاهدنا عبارة (تم القبض) أو تم التعامل مع الموضوع من قبل النيابة العامة أو صدور تصريح على لسان المتحدث الرسمي للأجهزة والمؤسسات الحكومية يوضح الموقف بعد الاطلاع واتخاذ اللازم.