خالد بن حمد المالك
يتكرر مصطلح (خيار الدولتين) على ألسنة قادة الدول في أمريكا وأوروبا، ويزداد تكراره كلَّما أطلتْ أزمة قتالية جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبينما يطالب الفلسطينيون والعرب بذلك، فإن إسرائيل تلتزم الصمت، ولا تتحدث إلا عن ما تسميه دفاعها عن نفسها بالاستمرار في قتال الفلسطينيين في أراضيهم المحتلة، وللتأكيد على أن (خيار الدولتين) ليس له مكان في أهداف إسرائيل، فإنها تقوم بشكل مستمر بهدم منازل الفلسطينيين وإقامة مستوطنات للإسرائيليين بدلاً منها، ما يعني أنه لا نية لدى العدو الإسرائيلي بالموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
* *
ومن المؤكد الذي لا يحتاج إلى تأكيد لو أن الدول الأوروبية وأمريكا جادون في إحلال الاستقرار بالمنطقة، لما ترددوا في تمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم، بما يحقق السلام لهم وللإسرائيليين، وامتداداً لدول المنطقة والعالم، غير إطلاق (خيار الدولتين) ليس أكثر من بيع كلام، وذر الرماد في العيون، والتملص من الحق الفلسطيني استجابة لما يرضي إسرائيل، ويحقق مصالحهم هم الآخرون بجعل إسرائيل الشرطي الملتزم لهم في تحقيق مآربهم الاستعمارية.
* *
ومجمل القول، فإن ما حدث في 7 أكتوبر إنما يمثل الإحباط الفلسطيني من تخلي دول العالم عن دورهم في إحقاق الحق، ودعمهم لما يخالف قرارات الشرعية الدولية إرضاءً لإسرائيل، بل والصمت ضمن هذا الدعم على المجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية والقدس، بما لا سابق له في كل الحروب، ما يعني أننا أمام مؤامرة وقحة ولا إنسانية وجريمة تطهير عرقي وإبادة جماعية.
* *
وما نشاهده يظهر أن الخيار لـ(خيار الدولتين) هو مواصلة الفلسطينيين لمواجهة عدوهم بكل الإمكانات المحدودة لديهم، وما يجري الآن في غزة يؤكد أن الجيش الإسرائيلي مرعوب وخائف، ويسجل خسائر بشرية بين عناصره، حتى وإن كان عددهم لا يُقارن بما يُستشهد من المدنيين الفلسطنيين، ولا يُقارن بحجم التدمير الهائل الذي تتعرض له منازل الشعب الفلسطيني في غزة.
* *
وإذا ظلتْ إسرائيل تستخدم هذه القوة المفرطة بحق الفلسطينيين دون تمييز بين مَنْ هو مدني أو مقاتل، وأخذتْ بسياسة الأرض المحروقة، ووجدتْ من أمريكا والغرب تأييداً لهذا العدوان الغاشم، ودعماً له بالسلاح والعتاد، والدفاع عن أي إدانة لإسرائيل، وتبرئتها بحجة أنها تمارس الدفاع عن النفس، فإن مقاومة الفلسطينيين لا بديل عنها، ويجب أن تستمر كما بدأتْ، حتى مع استمرار حرمانهم من الوقود والماء والغذاء والدواء، ومحاولة تهجيرهم وحصرهم في الجزء الجنوبي من غزة.
* *
وبحسب المعطيات، فإن النتائج المستقبلية وفق ما يجري في الحاضر ستكون أكثر قوة في استرداد الفلسطينيين لحقوقهم، والتاريخ يؤكد على ذلك، فقد لاحق الإسرائيليون خصومهم من الفسلطينيين في الداخل والخارج وقتلوا عدداً كبيراً من القيادات الفلسطينية التاريخية، لكن فلسطين دولة ولودة للقيادات العليا، فقد ظهر على السطح والأرض وفي ميادين القتال مجموعة أخرى من القادة المقاتلين، دون أن يؤثر فيهم سياسة إسرائيل في القتل الممنهج لكل من هو فلسطيني يتصدى لجيشها المحتل بالحديد والنار.
* *
سوف تمر معركة غزة كما مرتْ غيرها، وسيبقى أسرى إسرائيل في أيدٍ فلسطينية لن تتنازل عنهم إلا بثمن إسرائيلي باهظ، وسوف تذعن تل أبيب للموافقة عليه، وفي مقدمة شروط حماس إفراغ سجون إسرائيل من تسعة آلاف سجين بين امرأة وطفل وشيخ مسن، بعضهم يقضي في السجن عقودًا من الزمن دون وجه حق، فقط لأنه يطالب العدو بأن يحمل عصاه ويرحل من أراضيهم المحتلة.