منيرة أحمد الغامدي
بإمكاني المقارنة بين حقبة زمنية وأخرى، ولا أبالغ حين أقول بأنني وقبل سنوات قليلة، وفي مثل هذا الوقت، حيث الجو المعتدل وفرصة هطول أمطار أو هتّان هنان وزخات هناك. في مثل هذا الوقت، ما كان بالإمكان إلا أن يقول أحدهم عن تلك لأجواء «أجواء لندنية»، ولماذا لندنية، ذلك لأن الوقت كان مناسباً للخروج من حيز الأماكن المغلقة إلى البحث عن مطاعم أو مقاهٍ خارج الجدران والأسوار، وهذا في لندن طبعاً وما شابهها وما جاورها، فاذا جاد المولى الكريم علينا بالمملكة بالجو الجميل، تمنينا بقية الأجواء وملحقاتها.
وفي يوم سبت وتحديداً في إحدى السنوات التي هي قريبة جداً جداً، اتخذت قراري وطلبت من السائق حينها تجهيز السيارة للانطلاق، إذ لم يكن يسمح للمرأة آنذاك بقيادة السيارة، المهم أنني اتجهت إلى أحد المقاهي المعروفة محلياً ودولياً، وكان الوقت مبكراً، حيث لا ازدحام في الشوارع، ولا اكتظاظ في المقاهي والمطاعم. وأيضاً لم يكن هذا المقهى العالمي المحلي يبعد كثيراً عن منزلي، وفيه الجلسات الخارجية التي أحب، وطلبت من السائق أن يتوقف بالسيارة بعيداً، لأني لم أشأ أن يتابع حركاتي وسكناتي ويعد لقيماتي.
لم تدم الأمنيات كثيراً، فبمجرد دخولي سحبت الكرسي في إحدى الطاولات الخارجية، واستعددت للجلوس، فاذا بإعصار يتجه من داخل المطعم نحوي، وكان ذلك في شكل جرسون يطلب مني بكل أدب الانتقال إلى داخل المطعم، فذكرت له أنني «اخترت» هذه الطاولة للاستمتاع بالأجواء الجميلة، إلا أنه طلب مني بكل ما يعرف من مفردات إنجليزية وحتى العربية المكسرة أن أدخل، وأن جلوسي هنا مخالف للنظام، وقد يتسبب في إغلاق المحل.
نظرت إليه وفي نفسي سؤال وتساؤل مشروع، فأنا في مكان مكشوف، والمكان أغلب طاولاته شاغرة، وذكرت له إذا كنت سأتوجه إلى الداخل، فالتوجه إلى بيتي يحقق لي نفس المواصفات، وكان بودي أن أطلب منه نص النظام الذي ذكر، مع علمي بأن عليه تنفيذ التعليمات.
وقررت -ويعلم الله أنني لا أزيد ولا أبالغ- التوجه إلى مقهى ومطعم آخر في مكان آخر من الرياض، وأيضاً طلبت من السائق التوقف بعيداً، ومشيت إلى وجهتي، أما سبب اختياري لهذا المكان فهو أنني وفي وقت سابق حظيت بجلوسي في الخارج بصحبة أجانب، ولم يعترض أحد حينها لسبب أجهله، وحدثت نفسي لعل الجرسونات يتذكروني ويغضون النظر عن «النظام» الذي لم تره عيني.
ولكني صدمت حين قوبلت بالرفض، وأنه يسمح لي فقط بعد تذكيره بأصدقائي الأجانب أن أجلس في الداخل في مكان يتميز بنوافذ زجاجية تطل على المكان «الأمنية والحلم». وهذا والله ما حصل وأقصى ما تمكنت منه، وقبلت على مضض، إذ كرهت العودة إلى البيت، وقد قاربت ساعات الظهر على الدخول.
اليوم وفي وقت كتابتي لهذه الأسطر، أجلس في يوم سبت أيضاً، وفي مطعم محلي دولي أفضل من ذلك المطعم بمراحل، أرشف شاهيَّ بعد أن انتهيت من إفطاري، وأستنشق الهواء المنعش بملء رئتيّ، والناس حولي جماعات وأفرادا، كبارا وصغارا ومواطنين ومن غيرهم، وهم كثر، وكل الطاولات مشغولة في الداخل والخارج، وكلنا نستمتع بالأجواء وبالجو وبالطعام، وجئت إلى هنا بسيارتي التي أوقفتها في أقرب موقف متاح، وقررت بعد إفطاري هذا أن أتوجه للسينما أيضاً بسيارتي، بعد حجزي أونلاين، وذلك للترفيه الروحي عن نفسي بعد ترفيه معدتي.
قد تبدو للبعض هذه الأشياء والمواقف صغيرة ولا قيمة لها، لكنها كبيرة ومؤثرة وذات بصمة في حيواتنا، لأن أي موقف محبط يتلوه آخر وآخر قد يجعلك شخصاً مريضاً وسلبياً، عضوياً وجسدياً، كما أن الاستمتاع بالحياة ومباهجها، يجعلك إنساناً إيجابياً مقبلاً على الحياة ومعطاءً لها.
أين كنا وأين أصبحنا! نحمدك يا رب على دور الأمير محمد بن سلمان في ذلك الذي نسأل الله أن يحفظه ويسدده، ويبارك له في شبابه وصحته، وأن يسخر له ملائكة السماء وجنود الأرض (دعوات صادقة ومن القلب).