فضة حامد العنزي
لا تندم على ما كان لله من أفعالك الطيبة وأقوالك الحسنة، حتى ابتساماتك في وجوه الحاسدين الحاقدين لا تحاسب نفسك عليها كثيرًا متألمًا سواء أكنت تعلمهم يقينًا وتبيَّن لك أنهم أعداؤك، أم كنت لا تعلم حالهم.
لا تتألم أكثر من حزنك، ولا أكبر من سعتك، ولا تحمل على عاتقك همومًا زائدة، أو همومًا واردة تفوق تحمُّلك؛ حتى حزنك خفِّفْ وطأته ليزول، لا تدعه يجول في نفسك ويوجعك، ونفسك لا تجهدها في سراب لا طائل منه، ولا تتعبها عند تلقّي حقيقة موجعة أو تعرُّضها لصدمات قاسية، كأن تضع الثقة في غير أماكنها الصحيحة؛ فتتألم أضعافًا وتحتاج زمنًا لتعود أنت وتعود الثقة ربما، لكنها بحلّة ومعرفة أعمق وأدقّ، ولا تذهب لغير أهلها وأصحابها، فكن كيسًا فطنًا حذرًا، وكذلك محسنًا.. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُلْدَغُ المؤمِنُ من جُحْرٍ واحِدٍ مَرَّتيْنِ». متفق عليه.
أروا الله من أنفسكم خيرًا، أروا النيات الصافية والخيرات الوافرة والطاعات المشرقة وكل ما هو جميل وحسن: من نيات، ومن أقوال، وأفعال، وأخلاق، ورحمة، وسجيّة، وكرم، وتقى، وهدى، ونبل أيضًا، والله القائل: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى} (سورة النجم: 39 - 41).
ولتعلموا - ولا تعارض - وأنا على يقين أننا لن ننجو وندخل الجنة بأعمالنا إلَّا أن يتغمدنا الله بواسع رحمته.
كونوا عازمين مسارعين للخيرات، طامعين في رضا الله وثوابه والجنة، وهو القائل - سبحانه وتعالى-: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران: 133).
أنت موجود وقادر وعاقل ومتزن، وإيمانك قوي وسعيك لحوح؛ إذن أمامك الفرص؛ فاغتنمها واسْعَ لها، وإن شاحت عنك بوجه عابس، أو ابتعدت مسافة، أو صعبت عليك قدرًا، أو خيَّبَتْك وساء حالك بعدما كنت تركض مقبلًا، ويبدو على أساريرك الفرح وفي عينيك بريق الحماس، وفي يديك رغيف خبز تقتات منه قوت يومك، وكأس ماء غدق تروي به جفاف حياتك.. وفي قلبك ينابيع البصيرة، وتتدفق من بين أصابعك شلالات الحكمة والعلم والإيمان والأنوارُ تتخلّلها، وفي فكرك مصباح يضيء طريقك ويمتد للآخرين.
وهأنذا ما زلتُ أراكَ تركض وتركض في كبد؛ لتجني العسل؛ لترقى وتطيب الحياة وتسعد، ولترتاح بالجنة وتكسب الآخرة وتنعم؛ فلذلك استمر ولا يسوء حالك، فليست كل الفرص خيبة، وليست كل الصعوبات مقفلة، وليست كل الطرق مسدودة، وليست كل الفرص بعيدة، وليست كل الوجوه عابسة، ولا كل المحاولات فاشلة، ولا كل الفرص صعبة؛ لذا حاول أنت السعي مرات ومرات أكثر.
لا تيأس ولا تمَلَّ ولا تُحبَطْ، لا تقلق ولا تحزن ولا تسخط.. اطرق الأبواب بصدق راجيًا الله سبحانه أن يحقق ما تريده وتطمح له، وستُفتح الأبواب إما هي نفسها التي طرقت كما طلبت من الله؛ وإما أبواب مماثلة لها أو أفضل أو أقل، وإما أن يُدّخر لك في الآخرة، وإما أن يُدفع عنك من السوء؛ فكن راضيًا سعيدًا بما تحصل عليه وتملكه وتعيشه ويكون واقعك، ولا يمنع مع هذا أن يكون لديك طموح عالٍ وسعي للأفضل، فالأرزاق لها أسباب وحكم، والله الموفق؛ فاجعل علاقتك بالله قوية، فهو الرزاق وحده، وهو الذي يقدّر الأرزاق، قال تعالى: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} (الذاريات: 22). والله هو الذي يجعلك تنعم بأرزاقه نعمًا تسعدك؛ إما لحسن نياتك، وإما لطيب أعمالك، وإما لخبيئة خفية، وإما اختبارًا، وإما كلها مجتمعة، وإما لأشياء أخرى وحكم، والله هو الأعلم والأحكم سبحانه وتعالى، وقد تكون الأرزاق نقمًا عليك تشقيك؛ إما لسوء نياتك وفساد تصرفاتك، وإما لمجاهرة عصيانك، وإما ابتلاء، وإما كلها مجتمعة، وإما لأشياء أخرى وحكم، والله هو الأجلُّ والأعلى والأعلم والأحكم سبحانه وتعالى.. قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (الأنبياء: 35).
ابقَ واستمِرَّ أنت أنت بتلك الروح الجميلة راكضًا أو ماشيًا أو قافزًا بعزٍّ وعلوٍّ محلِّقًا، وعيناك هما عيناك في بريقهما وزهوِّهما منيرتان، ويداك هما يداك في تحصيل رزقك ونفع نفسك ونفع الناس مخلصًا، وقلبك هو قلبك في نقائه إن صفّيتَه، وفي خيره وطيبه إن احتسبتَ سليمًا، وأصابعك هي أصابعك في نفع نفسك وغيرك إن أخلصتَ عاملًا، وفكرك هو فكرك المنير إن هُديتَ ووُفِّقتَ فكرًا، فكرٌ يفيد ويستفيد ويرشد ويصوّب وينفع وينتفع ويبتكر ويُبتكر له ويحلُّ ويُحلُّ له ويبدع ويُبدَع له، فلا بد بعد كل هذا الصدق والمتعة والعطاء والجمال والإشراق والنور والصمود والصبر والظن الحسن بالله أن تحقق إنجازًا وإنجازات، وستصل لهدفك ولأهدافك، وستبلغ طموحك وطموحاتك، وستنجز بالتأكيد بإذن الله - واسأل الله ذلك دائمًا - نجاحًا ونجاحات متميزة وعلى مستوى عالٍ ورفيع، وستؤجر بإذن الله على نيّاتك الطيبة في النفع.. فكن مخلصًا خادمًا لدينك، ثم لوطنك وولاة أمرك، ومرادُك النفع والإحسان في كل شيء.. كل شيء صدقًا.
أمّا أنا.. فما زلتُ أراني أركض وأركض.. في كبَد وكبَد.. وبين الفينة والأخرى آخذ نفَسًا.. وأرتوي بغزارة نعمًا وأعطش أحيانًا حظًّا، وأتنفس الصعداء.. ثم أعود وأركض لعلّي أحلّق يومًا ما بوظيفة مباركة وإن كنتُ محلّقة أساسًا - بفضل الله - أنسًا وراحةً، وخيالًا وحقيقةً، وأدبًا وخُلُقًا، وعملًا وطاعةً، وبلاغةً ومفرداتٍ، وفصاحةً وكلماتٍ، وقلمًا وبيانًا، وفكرًا ووعيًا.
أرجو الله أن أكون موفَّقة مباركة، أحتاج ربي وقربه دائمًا وإخلاصًا له لا سمعة ورياء، وغنى لا فقرًا، وزادًا وحلاوة لا علقمًا ومرارة، أحتاج بكاءً ودموعًا وشهقات في خفاء الليالي، لا نياحًا وعويلًا وحسرات في وضح النهار.
أحتاج رضاي إيمانًا ويقينًا على أقدار الله بحلوها ومرِّها، لا سخطًا يلازم دروب الضياع والشتات، أحتاج صدقًا وبريقًا وحسنات، لا كذبًا وزيفًا وسيئات، أحتاج الصلاة والدعاء، لا العصيان والغفلة، أحتاج علمًا لا جهلًا، وعملًا لا كسلًا وسعيًا لا تقاعسًا، وشكرًا لا نكرانًا.
أحتاج خطوات إخلاص وتقوى، وعزيمة وإيمان، وعلم وعمل، فالخطوات - بفضل الله - تبلّغني درجات رفيعة، ومقامات عالية، وتصنع لي أجنحة سليمة كبيرة لأحلق في أعالي القمم، وقد يحصل أنه حتى بالخطوة أحلّق في فضاءات الأنس والسعد؛ والغيومُ تحملني على متنها أحلق من غيمة لغيمة.. أنهل ماءً وأشمُّ عطورًا، ورئتاي تنتشيان أنسًا وخفة، ودفئًا وبرودة امتزجت بنشوة ارتياح عجيب.
أحتاج - بعد توفيق الله - إخوة وأخوات ينفعونني لله ويبرونني لا يحسدونني ولا يضرونني، وأحتاج قلبًا ويدًا ولسانًا يدعون لي، لا لسانًا يدعو عليَّ ويدًا تدفعني وقلبًا يتمنى تعاستي..
لا أريد أناسًا في نيتهم أن يخمشوني - لو استطاعوا - بأظفارهم كبرًا وكرهًا وينهشوني حسدًا وأنانية وغيبة، وقلبهم رانٍ بالمعاصي ولن يقدروا - والله معي - ولن يفلح كيدهم.. نسأل الله لنا ولهم السلامة. آمين.
نعم.. لا تستصغر شيئًا.. النية.. الخطوة.. القول الحسن والكلمة الطيبة.. العمل البسيط والدائم وإن قَلَّ، والله تعالى يقول في كتابه الكريم: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء: 40).
الآن.. لو تبسمت أنت لي لسعدت انطباعًا وشعورًا، ولو أهديتني قلمًا لرحبت شكرًا وسرورًا، ولو قلت لي كلمة طيبة لدعوت لك صدقًا وحبورًا، فكيف لو ساعدتني بفعل ثمين؟ نعم سأسعد، ونعم سأرحب، ونعم سأدعو لك ليلًا ونهارًا، وسأقدر فعلك زمنًا مديدًا، وسأعاملك بطيب.. أعلاه وأجلُّه وأهمُّه وأقواه وأجملُه وأسماه الدعاء لك ما حييت.. وشكرك عرفانًا عند الله في يوم القيامة؛ لعلك تنال الإحسان من الرب الرحمن الرحيم الكريم الجواد.
نعم أحتاج من يقول لي: أنا لها, ويساعدني - بعد الله - فيما أستحقه؛ لعله يؤجر بإذن الله؛ فهل أجد لذلك قائلًا؟ .. رَبّاه.