د. عيد بن مسعود الجهني
سلعة النفط هي أهم وأغلى سلعة عرفها التاريخ الإنساني، وستبقى في هذا القرن المليء بالأحداث الجسام، وسعر برميل النفط إذا بقيت أسباب ارتفاعه وانخفاضه على حالها، ولم تستحوذ أية مادة أخرى على القدر نفسه من المحورية والأهمية كالتي استحوذ عليها النفط، وستبقى أسطورة الذهب الأسود الذي أشعل الدنيا كلها وأنارها ليس مجرد مصدر للقوة في العالم بل وسيلة لتلك القوة أيضا، فالنفط مادة هامة جدا تطال أهميتها جميع الأمم والدول والمجتمعات والشركات على وجه الكرة الأرضية.
لقد وضح بلا مواربة في عالم السياسات النفطية سريعة الحركة التأثير الكبير لمعطيات أسعار النفط على الأصعدة السياسية والاقتصادية ودخلت القاموس السياسي تعبيرات جديدة وموضوعات جديدة.
ورغم أن العالم مقابل استهلاكه لأربعة براميل تقريبا لا يضيف سوى حوالي برميل واحد للاحتياطيات المؤكدة بسبب تواضع الاستثمارات في البحث والاستكشاف والتنقيب عن النفط، فإن نفاد النفط يبدو بعيدا، فعلى فرض أن العالم يستهلك حوالي (100) مليون برميل يوميا فإن الاحتياطي المؤكد أكثر من (1.488) ترليون برميل سيكفي العالم لحوالي أربعة عقود!! وإذا كان العالم مع حلول عام 2035 سيحتاج إلى استهلاك 140 مليون ب/ي فإن هذا يعني أن الدول النفطية وشركات النفط العالمية لا بد لها أن تكتشف حقولاً نفطية جديدة في الدول المنتجة للنفط وأن الشركات البترولية تحتاج إلى البحث والتنقيب والاستكشاف في دول أخرى للعثور على النفط لسد حاجات العالم من النفط لتستطيع ضخ (140) مليون ب/ي، وهذا يحتاج إلى ضخ أكثر من ترليون دولار وبعض التقديرات ترفع هذا الرقم إلى (2) ترليون دولار كرأسمال مضاف لاستكشاف حقول جديدة وتطوير قدرات الحقول المنتجة.
ورغم أن البترول ينتج في أكثر من (100) دولة حول العالم وتواجه دول عديدة صعوبات كثيرة لزيادة إنتاجها، بل وأصبح إنتاج بعض الدول يتناقص عاما بعد آخر، وتواجه دول أخرى مشاكل عدة في العثور على النفط رغم حجم استثماراتها الكبيرة في مجال التنقيب والاستكشاف عن النفط، إلا أن دولا أخرى احتياطيها المؤكد يزداد عاما بعد آخر كدول الأوبك عامة ودول الخليج العربي خاصة التي تسبح على محيط واسع من النفط، وقد استمرت أسعار النفط متماسكة ولم يعد كونه ظاهرة عرضية وإنما أصبح حقيقة واقعة تسلم بها أسواق النفط ومنتجوه من دول وشركات نفط والدول الصناعية المستهلك الرئيس للنفط وغيرها.
ومن أهم الأسباب التزام المنتجين خاصة أعضاء الأوبك والدول المتعاونة معها ليصبح الفريق النفطي صاحب القوة والنفوذ بالخفوضات في سقف الإنتاج الذي اتفقوا عليه بنسبة كبيرة، هذا ما رفع السعر ليكسر حاجز (100) دولار وقد استمر السعر في الصعود النسبي قبل أن يتدنى لحوالي (78) دولارا.
ومما يؤكد ذلك وقوة التحالف النفطي القرار الأخير بتاريخ 30 نوفمبر الماضي حيث قررت أوبك خفض إنتاجها بمقدار (2.2) مليون ب/ي حتى الربع الأول من عام 2024م وبعده تعود أحجام التخفيض إلى الخفض تدريجيا.
ولأن السعودية هي العمود الفقري للتحالف فإنها ستحدد خفضها الطوعي وقدره مليون ب/ي الذي طبقته دعما للأسعار منذ شهر يوليو 2023 وحتى نهاية الربع الأول من عام 2024.
وروسيا من جانبها سيبلغ خفض إنتاجها (500) الف ب/ي، ودول أخرى سارت على نفس الطريق لخفض الأسعار ومنها العراق (211) ألف ب/ي، الإمارات (163) ألف ب/ي، الكويت (135) ألف ب/ي، كازاخستان (82) ألف ب/ي، الجزائر (51) ألف ب/ي، سلطنة عمان (42) ألف ب/ي.
ورغم هذا التخفيض الكبير فإن دول التحالف مجتمعة سيكون نصيبها في سوق النفط الدولية حوالي (40) في المئة من حجم الإمدادات العالمية.
ولأن التحالف يهدف من وراء عملية التخفيض إلى تحقيق استقرار في السوق الدولية النفطية وأسعار عادلة لنفوطهم لهذا جاءت النتائج سريعة في ارتفاع سعر برميل برنت ليبلغ حوالي (84) دولارا للبرميل.
ولا شك أن ارتفاع أسعار النفط مرتبط بأساسيات السوق من عرض وطلب في سوق النفط الدولية وتماسك الأوبك والدول المتعاونة معها من خارجها بالتخفيضات التي تم الاتفاق عليها، لجعل الأسعار تستمر في زحفها إلى أعلى والدول المستهلكة عليها التعايش مع الأسعار إذا تحسنت، كما أن الدول المنتجة الأوبك والدول الأخرى وفي مقدمتها روسيا والمكسيك والنرويج عازمة على السير قدما في تضامنها لخلق سوق نفط دولية مستقرة تدعم سعرا عادلا للمنتجين والمستهلكين.
والله ولي التوفيق.
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة