خالد بن حمد المالك
تراجعت التغطيات الإعلامية لحرب أوكرانيا والسودان، وأصبح التركيز على حرب غزة على مدار الساعة، مع أو ضد هذه الحرب، والمحصلة أن مضمون التغطيات لا يخدم إسرائيل، وإن انحاز الإعلام الغربي في محاولة لتحسين صورة إسرائيل في هذه الحرب، بسبب المجازر المدانة من الشرفاء والتي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في حق المدنيين، وارتفاع أعدادهم إلى ما يقرب من مائة ألف بين من أُستشهدوا أو أُصيبوا أو كانوا مفقودين تحت الركام من المدنيين.
* *
يحاول الرئيس الأمريكي جاهداً، وبشكل يومي أن يدافع عن جرائم إسرائيل ويبرر لها، ولا يتوقف أو يتردد في تصويب أي تصريح لغيره يكون فيه إدانة لإسرائيل، فهو لا يتحدث إلا بما يجعل العدو الإسرائيلي على حق في حرب الإبادة وتطهير غزة من سكانها الفلسطينيين، وينقل الرئيس الأمريكي للعالم ما يكرر نتنياهو ووزير دفاعه قولهما بالتأييد، منكِراً من يقول بما يخالف القول المشترك بينه وبين رئيس وزراء إسرائيل.
* *
موقف الرئيس الأمريكي أصبح موضعَ استنكار وسخرية حتى من بعض أفراد حزبه، وعلى نطاق أوسع على مستوى أمريكا والعالم، وهو بموقفه هذا لا يخدم إسرائيل ولا نفسه ولا حزبه، فإسرائيل تعلن يومياً عن قتلى في صفوف جيشها من الضباط والجنود مع استمرار الحرب، وبالنسبة للرئيس الأمريكي فكل الاستطلاعات تتحدث عن تراجع شعبيته بشكل لا سابق لها، مما يجعل فرصته في الفوز بالانتخابات القادمة مشكوكاً فيها إلى حد كبير، بينما أصبح الحزب الديمقراطي في وضع حرج أمام الحزب الجمهوري الذي يستثمر الآن سقطات الرئيس في تعامله مع الحرب بين حماس وإسرائيل لصالحه في الانتخابات القادمة.
* *
وأمريكا عموماً لم تعد سياساتها مقنعة لتكون في عهد بايدن - تحديداً - مرجعيةً وسنداً لمعالجة وتطويق التطورات الأمنية في العالم، كما لم تعد الدولة التي يُرجَع إليها لإطفاء اشتعال الحروب، فهي ليست سوى دولة كبرى تعزز انتشار الحروب والصراعات والخلافات بين الدول، واستثمارها لما تعتقد أنها تُلبي مصالحها وأجندتها، مع سوء التقدير لدى ساستها، وخطأ التوجه، بما دفع شعوب العالم للبوح عن كراهيتها بوصفها دولة ظالمة في مواقفها.
* *
نعم هذه هي أمريكا في فترة جو بايدن، ولكن يجب ألا ننسى أن لهذه السياسة جذورًا تاريخية متأصلة وعميقة، تقوم على تأجيج الحروب والصراعات الأهلية في كثير من الدول، والمساعدة على تغيير الأنظمة في دول أخرى، وتحريك مدمراتها وسفنها وطائراتها للمساعدة في إنجاز أهدافها، فضلاً عن تزويد أنصارها وحلفائها بالأسلحة في تدخل سافر في الشؤون الداخلية للدول.
* *
وما يجري في غزة ليس سوى نقطة في بحر - كما يُقال - من حيث مواقفها المعادية لحقوق الفلسطينيين المشروعة، وعلى رأسها عدم إجبار المحتل الإسرائيلي بالرحيل، بل تزويدها بالأسلحة الفتاكة والخبراء والتنسيق مع الجيش الإسرائيلي لقتل الفلسطينيين سواء في غزة أو الضفة الغربية، بما يُوصف ما يحدث بأنه جريمة حرب، وتهجير قسري، وحرب إبادة، وإصرار على استمرار الاحتلال، وعدم الجدية في إقامة دولة للفلسطينيين وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.
* *
وضمن الأهداف المستقبلية، فقد أكد نتنياهو أمام الكنيست ولمسؤولين أمريكيين صراحة بأنه لن تكون هناك سلطة فلسطينية في غزة مطلقاً، يقابل ذلك ما صرَّح به مستشار الأمن القومي الأمريكي بأن هناك اتصالاً وتنسيقًا مستمرين بين البنتاغون والقوات الإسرائيلية حول العمليات العسكرية في غزة، وأن لا معلومات لديه حول استهداف إسرائيل للصحفيين، كما لا دليل عنده على أن إسرائيل تقتل المدنيين الفلسطينيين عمداً، مع التأكيد الأمريكي بأن واشنطن ليست ضد العملية العسكرية حتى في جنوب غزة، وأن واشنطون ستواصل الضغط على حماس من أجل الرهائن.
* *
وباعتراف المتحدث العسكري الإسرائيلي، فإنه يقاتل في مناطق مأهولة بالسكان المدنيين، وباعتراف بريطانيا فإن جندياً بريطانياً كان يقاتل مع الإسرائيليين وقد قُتل، أي أن هناك من يساعد إسرائيل من غير الإسرائيليين في هذه المجازر الدموية، والهدف أن يتم إخلاء غزة من سكانها، وإقامة بؤر استيطانية كما فعلت إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة، وفي عملية التطهير هذه فقد تم نزوح 80% من السكان عن منازلهم، مع أنه لا توجد مناطق آمنة حتى في المستشفيات للذهاب إليها بحسب تصريح الأمم المتحدة، لكنهم مكرهون لتجنب القتل ما أمكن، والخارجية الأمريكية تعلن عن أنها في الوقت الحاضر - لاحظوا في الوقت الحاضر!!- لا تجري محادثات بشأن أين سيتم توطين الفلسطينيين المقيمين في غزة، دون النظر للمعايير الإنسانية.
* *
هذا هو الحال إن كنتم تسألون عن حال الشعب الفلسطيني في غزة تحت الاحتلال الذي لا يرحم، مدعوماً من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، لكن تبقى القضية الفلسطينية حية ومشتعلة ما بقي الاحتلال الإسرائيلي.