سهوب بغدادي
دقَّ جرس الحصة فدخل المعلم ملقيًا التحية ثم قال «بكرا حنبدأ نكتب بقلم الحبر»، كطالب في الصف الرابع الابتدائي ستكون لحظة تاريخية في حياتك -نعم بدون مبالغة- لأنها تحمل مدلولًا أكبر من أداة تستخدم لغرض ما، فالحبر كما نعلم لا يمحى والخطأ وارد لا محالة، فمع اتخاذ هذه الخطوة يتحمل الشخص تبعات أفعاله، لذا لم تعد الإنسان نفسه الذي يكتب بقلم الرصاص ويمحي ما خطت يداه مرارًا، وإن تكرر الخطأ عمدًا أو سهوًا وما إلى ذلك من المبررات، فلم يعد هناك الشعور ذاته بالأمان والطمأنينة المتصاحبة مع قلم الرصاص، بلا شك، إن المسؤولية تتصاحب بعدد من المخاوف، كما يحمل الحبر مفاهيم كثيرة من أبرزها الإقدام والانفتاح والتقبل، فعلاً فأنت تتقبل ما سيكون من رداءة خط وارتجاف وعدم وضوح وما إلى ذلك، كذلك ستتسم بالمرونة في إيجاد حل لما حصل، من ثم التكيف مع الواقع، والأهم من ذلك التعلم من الخطأ السابق لكيلا يتكرر مستقبلاً. إن اختيارات الشخص البسيطة تحمل انعكاسات دفينة من سماته، ما بين تفضيل الحبر الجاف أو السائل أو الرصاص، كذلك في شكل القلم سواء كان بريشة أم تقليديًا، وينطبق الأمر ذاته على الرسامين، فمنهم من يختار الألوان المحايدة «أسود وتدرجاته»، ومنهم من يوظف الألوان الجريئة، وهناك من يستخدم الرصاص قبل البدء في مرحلة التلوين أو الرسم الفعلي للوحة، في المقابل يوجد بعض الفنانين الذين يبدؤون الرسم بالألوان دون تردد، لعلمهم مسبقًا أن الخطأ وارد وإن استخدم الرصاص، فلماذا الخوف والتردد؟ الجدير بالذكر أن «الألوان الزيتية» و»المائية» وما يشابهها قد تعتبر الأصعب في التعديل عند الخطأ إلا أنها الأجمل بعد الانتهاء من اللوحة. حتمًا، إن كل شيء في حياتنا اختيارات، بدءًا من أبسط تفاصيلنا اليومية وصولًا إلى القرارات المصيرية والكبرى، والهدف يتجلى في الاستمتاع بالرحلة قبل الظفر بفرحة الوصول.
اليوم، سأقوم بتغيير القلم الذي أحمله في حقيبتي.