خالد بن حمد المالك
حرب غزة هي الآن في شهرها الثالث، وعدد القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي بين ضابط وجندي وصل إلى 431 شخصاً، والمصابون أكثر من 1600 ضابط وجندي بعضهم حالاتهم خطرة بحسب إعلان إسرائيل، وأكثر من هذا العدد بكثير وفقاً لبلاغات حماس، دون أن تحقق إسرائيل أهدافها في تحرير الرهائن الإسرائيليين أو تقضي على حماس، وما زال العدو الإسرائيلي يدفع الثمن يومياً بقتلى وجرحى بين أفراده المعتدين، وكل ما عمله انتقاماً لعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي، قيامه بقتل أكثر من 18 ألف مدني, و49500 مصاب، غير الآلاف الذين ما زالت جثامينهم تحت أنقاض المباني السكنية التي أزيلت وأصبحت أكواماً من التراب.
* *
وبينما يدعو رئيس وزراء إسرائيل رجال حماس إلى الاستسلام، فإن وزير خارجية أمريكا بالتزامن يطالب هو الآخر حماس بالاستسلام ليتوقف القتال في غزة، ويضيف: يمكن لحماس الاستسلام لينتهي الأمر، جاء ذلك بعد أن استخدمت أمريكا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع قرار إنساني يوقف الحرب، رافضة بذلك القرارات الدولية، والقوانين الإنسانية، ومستمتعة بالجحيم على أرض غزة، حيث إن حجم القتل بين المدنيين الفلسطينيين غير مسبوق في الحروب، مضيفاً بأن واشنطن تريد التأكد من حاجة إسرائيل إلى مزيد من السلاح لتدافع به عن نفسها أمام حماس، ما جعل البنتاغون استجابة لقرار إدارة بايدن باستخدامها قانون الطوارئ، ودون الرجوع للكونغرس تقرر تزويد إسرائيل بآلاف قذائف الدبابات، ووزير خارجية أمريكا مصمم على تسليمها لتل أبيب على الفور، إمعاناً في تواطؤ أمريكا في قتل الفلسطينيين المدنيين في غزة، دون أن تصل إسرائيل وطائرات التجسس الأمريكية والبريطانية في أجواء قطاع غزة إلى عناصر حماس، أو الرهائن الإسرائيليين.
* *
وبينما يرى أُسر الرهائن الإسرائيليين بأن حرب غزة مضيعة للوقت، ويطالبون بإيقاف القتال، وبدء حوار جاد لتحرير الرهائن دون قتال، فإن إسرائيل لا تملك الحلول المناسبة لوقف القتال، وبالتالي لتحرير الرهائن، مدعومة من أمريكا، واهمة أن ذلك يتحقق باستخدام القوة العسكرية المفرطة والإمعان باعتقال 3700 منذ 7 أكتوبر وحتى اليوم ليرتفع عدد الفلسطينيين المعتقلين إلى قرابة الـ 9 آلاف معتقل، والإصرار على الاستمرار في حرب التجويع والتعطيش، منتهكة بذلك القوانين الدولية الإنسانية، مع إعلان واشنطن بأنها لا تجري تقويماً في الوقت الحاضر حول التزام إسرائيل بقوانين الحرب، وأن الرئيس الأمريكي لم يحدد موعداً نهائياً لوقف القتال، رغم معاناة الفلسطينيين، وأن 61 % من الأمريكيين لا يوافقون بايدن على الحرب، وأن الأمين العام للأمم المتحدة يتمسك بوقف إطلاق النار فوراً، وبالنظام الدولي الإنساني، معلناً أسفه لأن سلطة مجلس الأمن تقوضت وانهارت بسبب استخدام (الفيتو) الأمريكي ضد إيقاف الحرب في انتهاك للقوانين الدولية.
* *
هناك إجماع على أنه لا يوجد مكان آمن للمدنيين في غزة، بعد أن هُجّر المدنيون من بيوتهم، وبعد أن أعلنت إسرائيل وأمريكا بالتزامن والتواطؤ بأنه لن يتم السماح للفلسطينيين بالعودة إلى منازلهم قبل شهرين من الآن، مع أن منازلهم لم تعد موجودة في قطاع أصبح كمدينة أشباح بعد تدمير المباني والوحدات السكنية والبنية التحتية، فضلاً عن أن وزير مالية العدو الإسرائيلي يرفض تحويل ولو شيكل واحد من حصة غزة من الأموال المستحقة لها، لأنها بحسب زعمه لها علاقات بإرهابيين، مما يزيد من معاناة الفلسطينيين في حرب التجويع والتعطيش، ولم يكن مستغرباً من مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة أن يتحدث بوقاحة، موجهاً حديثه في مجلس الأمن نحو الأمين العام للأمم المتحدة بأنه لا يدين الإرهاب الفلسطيني، ولا يدعم دولة إسرائيل (الديمقراطية) التي تحارب (الإرهاب)، وبالتالي فهو لا يستحق منصبه، وهو فاسد أخلاقياً، مع أن هذا المندوب يعلم أن أكثر دولة تمارس الإرهاب، ولا تتمتع بأي أخلاق هي إسرائيل، ولكن كما يقال: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» أو قُل ما شئت، ولكن السؤال: ماذا تريد إسرائيل وأمريكا والغرب من هذه الحرب الدموية في نهاية المطاف، هل هو لتهجير الفلسطينيين في نكبة ثانية، أم خلطاً للأوراق الأمنية في منطقتها لتحقيق مشروع استعماري بالتواطؤ فيما بينهم تحقيقاً لمآرب وأهداف شيطانية؟ الجواب: دولنا وشعوبنا إذا كان هذا هو التوجه، أقوى من كيد الكائدين، فحذار من مغامرات لم يحسنوا تقدير تداعياتها الخطيرة عليهم.