عثمان بن حمد أباالخيل
(كلي آذان مصغية) وليس صاغية كما يفهمها ويرددها البعض، في كل مجتمعات العالم متحضرة وغير متحضرة مع العلم إنني أرى الإنسان مهما يكن وأين يكن فهو إنسان متحضر حسب بيئته وديانته ومعتقداته ولا ينقصه تلك التعريفات المتداولة بين الناس. قلة الكلام ميزة الإنسان المتعلّم والمثقف، فمن يقرأ ويعرف الكثير عن الحياة، يتعلم دائماً أن ينصت لغيره ويؤمن كم أو من بما قيل: "خير الكلام ما قلّ ودلّ". والإنصات لما هو مفيد دليل الرقي، أما الآذان الكبيرة التي تنصت على الآخرين بالطرق الحديثة فهدفها إشاعة الفوضى والتعدي على خصوصياتها.
ما يقلقني ويقلق الكثير من الناس الإنسان الثرثار الذي يبحر بك في عالم الثرثرة، يبدأ في موضوع ويدخل في عشرة مواضيع أخرى دون أن يكمل أيّاً منها، ويقع في أخطاء عديدة لأنه ينسى ما تحدث عنه، لكونه واسع الخيال ويريد إثبات وجهة نظره ويهدف إلى لفت انتباه الآخرين، ويشعر بالسعادة وبأنَّه شخص مهم ويهدف إلى التعالي إلا أنه أضعف مما تتوقع. هذا الإنسان الثرثار يتكلم بما يريد ولا يتكلم بالموضوع المطروح للحوار ويرى الآخرين بمنظار أنا هنا استمعوا وأنصتوا لما أقول وفي الواقع هو ينفخ: "قربة مخزوقة". تجاهله ومقاطعته وعدم مناقشته والنظر إلى ساعة اليد دليل على التململ والطلب بالتوقف عن الثرثرة.
هناك من يتحدّث بلباقة وهناك من يثرثر بإسراف، للأسف هناك مدراء ومدراء تنفيذيون يثرثرون كثيراً ويضيعون وقت العمل في اجتماعات هدفها الثرثرة وربما اجتماع مدته نصف ساعة من الزمن يستمر أكثر من ساعتين بسبب ثرثرة المدير. المرأة بطبعها تحب تفاصيل الحديث والأحداث بعكس الرجل الذي يريد كما يقال (الزبدة)، المرأة تتفوق على الرجل في الثرثرة.. هذا ما أكدته الباحثة الاجتماعية البريطانية "ديانا هيلز" في دراستها, حيث أوضحت أن المرأة تتكلم بمعدل 12 ألف كلمة يومياً بينما يتكلم الرجل ألف كلمة فقط. ومع احترامي للمرأة (ثرثرة المرأة.. جعجعة بلا طحين) وهذا لا يعمم على الجميع فهناك نساء رزينات يضربن أروع الأمثال في الكياسة والحصافة ورجاحه العقل وبُعد النظر وقياديات ولهنّ بصمات في مُحيطهن الصغير والكبير: أنا بريء ممن يتوهم أن الثرثرة معرفة ... والصمت جهالة... والتصنع فنٌّ. - جبران خليل جبران.
فمْ كبير (big mouth) وما أكثر الذين يملكون أفماماً كبيرة غير لبقة وأحياناً مؤذية تدل على عدم الإدراك وفوضى الأحاسيس والبحث عن مكانة تليق بهم وهن واهِمُون سرابيون تنقصهم اللباقة ولا يؤمنون بما قاله الإمام الشافعي "الإنسان الناجح هو الذي يغلق فمه قبل أن يغلق الناس آذانهم، ويفتح أذنيه قبل أن يفتح الناس أفواههم". ولكل مقام مقال, ففي أي مجال تريد أن تكون متحدثاً لبقاً تلفت شارك الحضور بالمواضيع المطروحة وليست المواضيع التي تريدها ولا تهمهم وتدعو للضجر والملل.
همسه لأصحاب الأفمام الكبيرة والآذان الكبيرة ارتقوا بمستوى تفكيركم ولا تخيبون أنفسكم وتنفرون الناس من حولكم وابنوا لأنفسكم صروحاً من الاحترام والتقدير الذي فقدتموه بغفلة من الزمن هذا إذا كان هدفكم أن تروا الحياة كما هي جميلة جمال طبيعة صحراء نجد في فصل الشتاء.