د. محمد بن أحمد غروي
عرفتْ منطقة الجنوب الشرقي من آسيا التي يقطن فيها أكبر تجمع إسلامي في العالم، اللغةَ العربية، بالتزامن مع دخول الإسلام إلى أراضيها، فالعربية وصلت إلى أرخبيل إندونيسيا في القرن السابع حين وصل التُجار المسلمون إلى أراضي البلاد وسواحلها، ورحب السكان بالدين الجديد واستقبلوه بصدر رحب، فتبنى السكان الإندونيسيون الخط الجاوي لكتابة لغتهم بحروف عربية واهتموا بتعليم أطفالهم اللغة العربية.
وحينما دخل الإسلام إلى مملكة ماليزيا، كانت الوثنية الأكثر انتشارًا بين سكانه الملايو، وساهمت التجار العرب في الأرخبيل بنقل الآداب والثقافة الإسلامية لأهل البلد وعمَّ الدين الإسلامي الأرجاء، منطلقًا من مدينة ملاكا الساحلية، فكان أهلها أول الداخلين في دين الله أفواجًا.
ومن الملاحظ الاهتمام والإقبال الشديدين على تعلم اللغة العربية بالتزامن مع العديد من الإجراءات التي تتخذها بلدان آسيان، فلغة الضاد تدرس في المدارس الإسلامية بإندونيسيا والمدارس الحكومية والخاصة والجامعات، وكذلك المنظمات غير الرسمية وغير الربحية كالمساجد والمراكز الدينية والعشرات من الجامعات في إندونيسيا وماليزيا وبروناي، وفي دول ذات أقلية إسلامية كتايلاند وسنغافورة أدرجت في برامجها ومناهجها دراسة اللغة العربية وآدابها، وفي معظم الجامعات الحكومية الماليزية تتواجد كليات الدراسات الإسلامية وقسم اللغة العربية والحضارة الإسلامية التي تُدرس اللغة العربية إلزاميًا للطلبة الملتحقين بهذا القسم. كما أن تعلم العربية في العديد من الجامعات الحكومية بماليزيا إلزامي أيضًا.
وينعكس الاهتمام الواضح والحرص في دول بروناي وإندونيسيا وماليزيا على تعلم العربية على إقامة الاحتفالات والمهرجانات والأحداث الخاصة التي تجري في هذه الأيام تزامنًا مع اليوم العالمي للغة العربية 2023، حيث تنظم حلقات النقاش عن اللغة العربية وقضاياها في جامعات مثل جامعة مالايا والجامعة الإسلامية والمدينة العالميتين بماليزيا، يشارك فيها الباحثون والأساتذة والمختصون بالعربية للناطقين بغيرها لنشر التوعية بلغة القرآن الكريم، والترويج لها بالتعاون مع الملحقية الثقافية السعودية في ماليزيا التي يمتد نفعها الثقافي أرجاء الأرخبيل. هناك تقابل لغوي كبير في الملاوية والإندونيسية، فكثير من الكلمات في اللغتين مماثلة للموجودة في مفردات العربية. فمثلًا، تعرف الأبجدية في الملايو بـ"أبجد" كما يُطلق على الحرف اسم "حروف" وأيام الأسبوع أيضًا تشهد تشابهًا بين اللغتين، فالملايو يطلقون على الاثنين يوم "اتنين" والسبت "سبتو" وعلم في الملايو "علمو" ووقت صارت "وقتو" كما أن لفظة حيوان مثلًا مشتركة بين اللغتين فيذكر اللغويون أن العربية أثرت على عدد من اللغات في جنوب شرق آسيا، فأكثر من 3300 كلمة في لغة الملايو ذات أصول عربية.
ورغم الدوافع والتقابل اللغوي والفرص الموجودة في جنوب شرق آسيا للغة العربية، إلا أنها ما زالت تواجه تحديات في تدريسها، وهو ما أكده خبراء اللغة والتعليم في بحوثهم ودراساتهم ومؤتمراتهم العلمية على ضرورة تطوير مناهج تدريس اللغة العربية والاستفادة من علوم اللغة الحديثة والنظريات المتطورة في هذا المجال والتوسع في استخدامها في علوم اللغة العربية، فمن الصعوبات التي واجهت المتعلمين للغة العربية من معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها، عدم امتلاكهم للمعرفة الكافية بالعربية، فضلاً عن عدم تملكهم لأدوات تدريسها، وهناك صعوبات مرتبطة بالطالب كضعف الحافز لتعلم اللغة الأجنبية، وأخرى مرتبطة بالأدوات التعليمية نفسها منها عدم ملاحظة الفروق الفردية بين الطلاب أو الاعتماد الثقيل على الترجمة واستخدام أدوات التلقين خلال العملية التعليمية.
ومع قلة الخبرات الكافية في المؤسسات التعليمية المنتشرة في جنوب شرق آسيا، وغياب التخصص عن معظم معلمي العربية للناطقين بغيرها، وهو ما أثر سلبيًا على العملية التعليمية، إضافة إلى أن العديد النصوص المؤلفة في هذا المجال لا تستفيد من الأسس والتقنيات الجديدة لتدريس اللغات الأجنبية.
ولعل التواصل الأخير من لدن وزارة التعليم مع أبنائها الخريجين من دول آسيان المتقنين للعربية في الجامعات السعودية، لهي خطوة رائدة لسد الفجوة من خلال الاستماع المباشر وتقديم حلول عملية لخدمة لغة القرآن في الأرخبيل.