خالد بن حمد المالك
ما برح العالم الحرّ يبكي إلى اليوم مستقبل شعب تُحتل أرضه، وتمنع عنه مقومات الحياة من غذاء وماء ودواء، وتُسلب منه حريته وإرادته، ويزج بالأحرار ممن يرفع صوته محتجاً في غياهب السجون الإسرائيلية، والويل لمن يقاوم الاحتلال، أو يطالب بإقامة دولة على أراضيه التي تحتلها إسرائيل، فأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا سوف تصنفهم على أنهم إرهابيون، وأن إمعان إسرائيل في قتلهم والتنكيل بهم بوحشية كما يحدث الآن في غزة هو برأي هذه الدول من باب الدفاع عن النفس المشروع، بينما هو بحسب التصنيف الموضوعي جريمة حرب تتوافق مع العقيدة الأمريكية.
* *
غير أنّ البكاء على الأطلال كما الصمت على الشهداء لا قيمة لهما، أمام جبروت العدو الإسرائيلي الغاشم، مدعوماً في حرب الإبادة هذه والتهجير القسري إذا نجحت إسرائيل وداعموها في ذلك، فأين القوى الكبرى الأخرى كالصين وروسيا مما يجري في حرب دموية لا مثيل لها في التاريخ؟ حيث يقدّر الخبراء أن ما يحدث الآن في غزة يفوق ما جرى في ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، فكيف إذا ما استمر القتال شهوراً أخرى، والعالم بين صامت أو داعم للعدو الإسرائيلي، ومع الاتفاق على فرض عقوبات على حماس كما هو قرار ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وأمريكا، بينما تشرّع هذه الدول حق إسرائيل في قتل الأبرياء من المدنيين تحت ذريعة أن إسرائيل تدافع عن نفسها، فكيف يكون الدفاع عن النفس في ممارسة الحرب على أراضٍ فلسطينية محتلة؟.
* *
هناك توجّه إسرائيلي معلن حول احتلال قطاع غزة بعد تفريغها من سكانها الفلسطينيين، فها هو رئيس وزراء إسرائيل يتحدث أمام الكنيست بأن إسرائيل ستكون المسؤولة عن قطاع غزة والأمن فيه بعد الحرب، وأنها ستنزع السلاح من غزة، وأنه سيتم السماح للفلسطينيين بمغادرة غزة بعد أن تؤول مسؤوليتها لإسرائيل، مؤكداً على أن إسرائيل وحدها ستتولى مسؤولية إدارة القطاع، ومضيفاً بأن حماس كانت لا تسمح للفلسطينيين بمغادرة غزة، لكن إسرائيل سوف تسمح لهم بذلك، في توجّه صريح على أن تل أبيب تتجه بعد الحرب إلى تهجيرهم إلى سيناء في نكبة جديدة مماثلة لنكبة عام 1948م، وهو ما تخطط إسرائيل لتطبيقه أيضاً على الضفة الغربية لإجبار سكانها في النزوح إلى الأردن.
* *
وتصفية القضية الفلسطينية بالتهجير هو قرار أمريكي إسرائيلي مؤيدٌ من الغرب، إذ لا يوجد لدى الفلسطينيين في غزة ما يذهبون إليه بحثاً عن مكان آمن بعد رفح إلا مصر، وهذا ما تظهره وقائع الاشتباكات الضارية بين العدو الإسرائيلي والفلسطينيين، خاصة مع منع الدواء والغذاء والمحروقات والماء من الوصول إلى غزة، واقتطاع إسرائيل للأموال المخصصة لغزة، وحجبها من أن تصل إلى المواطنين الفلسطينيين ضمن جرائمها متعددة الأشكال والأنواع، ما اعتبر ذلك لدى المنصفين على أنه جريمة حرب، والمكان الآمن هو في ترك الفلسطينيين لغزة بالإكراه إلى سيناء.
* *
والغريب المضحك أن إسرائيل تتحدث عن أن نصف عناصر حماس تم قتلهم، وأن الاتصالات بين من تبقى من قيادات حماس أصبحت مقطوعة، وهو كلام الرد عليه بتذكير العدو الإسرائيلي بهذه الخسائر الفادحة بين صفوف الجيش الإسرائيلي وفقاً لإعلان المصادر الإسرائيلية الرسمية، فكيف يستقيم القول بأن نصف قيادات حماس هم في عدّاد القتلى، وأن الباقين لم يعد بينهم أي تنسيق لفقدان الاتصالات، خاصة وأن حجم الخسائر الإسرائيلية أصبح بازدياد في هذه الأيام، ما جعل واشنطون وتل أبيب تتحدثان عن هدنات قادمة، بعد أن كانتا ترفضانها، وتتحدثان الآن عن قبول وسطاء لهذا الغرض، بينما تصر حماس على أن تبادل الرهائن مرهون بوقف القتال أولاً.
* *
الطوفان على ما يبدو سوف يستمر، وخسائر إسرائيل في هذه الحرب غير مسبوقة سواء في العناصر أو في المعدات، وردّ إسرائيل الانتقامي المجنون على أحداث 7 أكتوبر اقتصر على قتل الأبرياء من المدنيين وتهديم المنازل على سكانها، فمن يصنع التاريخ, ويوقّف هذا العدوان الأمريكي الإسرائيلي الغربي الغاشم، ويحقق السلام بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس؟.