رمضان جريدي العنزي
الاعتذار بعد الخطأ ليس عيباً ولا ضعفاً، وليس دليل انكسار ووهن، إن الاعتذار ثقافة راقية، وأدب جم، وفن إنساني جميل لا يتقنه سوى الواثقين من أنفسهم، إنه فضيلة حسنة، وسلوك سام، يمنع الخصومة، ويصد الجفاء، إنه قوة واعتراف بالحق، وبداية جديدة للتسامح وخلق أجواء من المحبة والسلام، وكما أن الاعتذار واجب، فإن قبوله أوجب، لأنه خلق الكرماء والنبلاء، إن ثقافة الاعتذار ممارسة صحية تحتاجها إليها المجتمعات كثيراً، وينبغي زرعها في نفوس الأطفال منذ الصغر، بحيث تصبح جزءاً من ثقافتهم المستقبلية، إن إفشاء الاعتذار بين الناس يصنع حياة مغايرة للأفراد والمجتمعات، ويجنبهم الصدمات والمشاحنات والتوترات والأحقاد، ويأخذهم نحو فضاءات السكينة والهدوء والصفاء والمسالمة، قال أبو ذر الغفاري لبلال بن رباح: حتى أنت يا ابن السوداء تخطئنى؟! فقام بلال مدهوشاً غضبان، وقال: والله لأرفعنك لرسول الله، وبالفعل تغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، فبكى أبو ذر وقال: يا رسول الله: استغفر لي، ثم خرج باكياً من المسجد، وأتى أبو ذَر، ووضع خده على التراب وقال: والله يا بلال لا أرفع خدي عن التراب حتى تطأه برجلك أنت الكريم وأنا المهان، فأخذ بلال يبكي واقترب وقبَّل ذلك الخد وقال: والله لا أطأ وجهاً سجد لله سجدة واحدة ثم قاما وتعانقا وتباكيا، إن ثقافة الاعتذار لا يتقنها سوى الأقوياء العقلاء، إنه فعل حضاري، وتصرف مبني على رقي العقل والنفس، إنه شعور حسي ملموس، إن الاعتذار ليس فعلاً يعمل ليكون الإنسان مهذباً، إنه طريقة لإظهار الاحترام والتعاطف مع الشخص الذي تعرض لمظلمة أو مهانة، إن المسارعة لتقديم واجب الاعتذار هو ممارسة طبيعية بين الأفراد، وعمل طيب ونتائجه مفيدة على جميع الأصعدة، إن ثقافة الاعتذار عندما تشع ينعم المجتمع بالود والمحبة والسلام، ويصبح كالجسد الواحد، لا يحمل البغض والغل والحقد والحسد.
قال الشاعر:
إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه
وكل امرئ لا يقبل العذر مذنب
وقال الشاعر القروي:
رب ذنب محوته باعتذاري
وحملت الورى على إكباري
وإذا قيست الفضائل فاقت
كرم العفو جرأة الإقرار