د. عبدالعزيز بن صالح العجلان
في التاسع من ديسمبر من كل عام، يجدد العالم التزامه بمكافحة أحد أكبر التحديات التي تواجه الإنسانية: «الفساد».
اليوم العالمي لمكافحة الفساد، المُعلن من قبل الأمم المتحدة، يهدف ليس فقط إلى رفع الوعي بآثار الفساد المدمرة، بل أيضًا لتعزيز الجهود الدولية للقضاء عليه.
تتشابك أسباب الفساد في خيوط معقدة تمتد من غياب الشفافية وضعف الأنظمة الرقابية إلى نقص في التعليم والوعي العام، بالإضافة إلى الفقر والبطالة، إلى جانب ثقافة الإفلات من العقاب، تشكل بيئة خصبة لنمو الفساد. ولكن ما يزرع الأمل هو إمكانية القضاء على الفساد من خلال تبني استراتيجيات فعالة تشمل تعزيز القوانين، تطوير الأنظمة القضائية، ورفع مستويات الشفافية.
مؤشر الشفافية الدولي يكشف عن تباين ملحوظ في مستويات الفساد بين الدول. ففي حين تعاني دول مثل : الصومال وجنوب السودان من مستويات عالية من الفساد، تتصدر الدنمارك ونيوزيلندا القائمة كأقل دول العالم فسادًا بفضل سياساتها الفعالة في تعزيز الشفافية والمساءلة.
وبحسب تقارير البنك الدولي، يتم دفع ما يقدر بنحو 1.5 تريليون دولار كرشاوى كل عام، مما يعادل حوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
في هذا الإطار، يبرز دور شريعتنا الإسلامية والتي حثت على مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة. يقول الله تعالى: «وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» (القصص: 77)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».
في المملكة العربية السعودية وتحت قيادة الأمير محمد بن سلمان، تبرز جهود المملكة لمكافحتها الفساد. فقد أطلق سمو ولي العهد سلسلة من المبادرات الرائدة لمكافحة الفساد، واجهت هذه الجهود تحديات كبيرة، لكنها أيضًا حققت إنجازات ملحوظة في الحد من الفساد وتعزيز النزاهة.
إضافة إلى ذلك، تُظهر الدول الناجحة في مكافحة الفساد كيف يمكن تحويل التحديات إلى فرص. ففي سنغافورة، على سبيل المثال، قادت سياسات مكافحة الفساد المنهجية إلى تحولها من دولة نامية إلى واحدة من أكثر الدول تقدمًا في العالم.
من خلال رؤية 2030، تسعى مملكتنا الغالية لإجراء إصلاحات تشمل تحديث العديد من الأنظمة القانونية بالإضافة إلى تعزيز الشفافية كما تبرز أهمية التكنولوجيا، حيث تفتح التقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي آفاقًا جديدة للشفافية والكفاءة.
ختاماً يُعد اليوم العالمي لمكافحة الفساد فرصة للتأمل في التقدم المحرز والتحديات المستمرة. ومع التزام المملكة بمكافحة الفساد، نتطلع إلى مستقبل يسوده العدل والشفافية، حيث تكون النزاهة هي القاعدة لا الاستثناء في حياتنا العامة، عالمًا يتوحد فيه الجهد الإنساني لزرع بذور العدالة والأمل في تربة خصبة خالية من الفساد، لتنمو جيلاً بعد جيل.