أحمد بن عبدالله الحسين
اليهودية
ديانة توحيدية انتشرت أصلا على يدي أنبياء من بني إسرائيل بناء على شريعة موسى عليه السلام أو ما يُطلق عليه توراة مُوسَى. وتعتبر كذلك ديانة كهنوتية لأن الكهنة هم الذين يفسرون التوراة وينفذون الشريعة ويوجهون الشعب في ممارسة الشعائر، بل يعتبر الكهنة هم الواسطة بين الشعب وبين الإله يهوه أحد أسماء الله في العبرية عند اليهود. ومن كبار الكهنة يتكون مجمع اليهود الديني الأعلى المعروف بالسنهدرين، ومن المؤكد أن التوراة المتداولة في الوقت الحاضر دونت بعد موسى بزمن طويل حُرَّفت وأُضيف إليها ما اتفق مع رغبات ونزعات الكهنة. وأن الديانة اليهودية هي بالأصل ديانة نخبوية وليست ديانة تبشيرية، إلا أن هذا لم يمنع التحول إليها.
التهوُّد
وهو التحوَّل إلى الدين اليهودي والدخول فيه، وذلك حينما انتشرت اليهودية في مناطق متفرقة من آسيا وأوربا وأفريقيا، إضافة إلى اعتناق عناصر كثيرة لليهودية عن طريق الزواج. وبهذا ظلت اليهودية زمنا طويلا فاتحة ذراعيها مرحبة بكل من يرغب الانضواء تحتها. بدأ هذا التبشير بعد الانتهاء من تدوين التوراة واستمر حتى القرون الوسطى، والدعاة لم يكونوا كلهم من الكهنة من أتباع موسى، أومن الذين عادوا من السبي إلى فلسطين.
انتشار اليهودية
تم في القوقاز من الخزر وسكان روسيا وسكان أواسط أوربا وشرقها والحبشة. وهكذا يتضح أن يهود العالم اليوم ليسوا من قوم موسى الذين بين القرن الثالث عشر قبل الميلاد وحتى القرن السادس قبل الميلاد. حيث حصل السبي إلى بابل في عهد نبوخذ نصر الكلداني، والحركة الصهيونية تحاول ربط جميع اليهود في العالم ببني إسرائيل، وتعمل على ترسيخ ذلك في أذهان العالم. بهدف التركيز على أرض الميعاد رغم عدم استنادها إلى أساس علمي أو تاريخي. لأن اليهود المعاصرين على الأغلب أبعد ما يكونون من أنسال بني إسرائيل، يؤكد ذلك علماء الأجناس بأن دم انتماء اليهود يعود إلى عدة أصول وأعراق.
وبهذا يقول العلامة «لامبروزو إلايطالي تُوفي عام 1909م؛ «أن اليهود المعاصرين أقرب إلى الجنس الآري منه إلى الجنس السامي، وأنهم طائفة دينية تميزت بميراث اجتماعي واقتصادي انضم اليها عبر القرون أناس من شتى الأجناس البشرية». وجهة النظر في نسبة الأعراق الذي قالها لامبروز، علميا لا تُعمم ولربما هنالك أقلية سلالات في المشرق من لها صلة قديمة حافظت على كينونتها وعرقيتها الأصلية، بالإضافة إلى أعراق المتهودة المتعددة، ومنهم الذي تكاثروا من الخزر وهم طورانيو العرق.
البروفسور «جورفتيش» في الجامعة العبرية سجل نتائج تجاربه البيولوجية على اليهود المهاجرين إلى فلسطين حيث يقول؛ «إن اليهود ليسوا بالشعب الواحد فيهود أوربا الشرقية ينتسبون إلى قبائل الخزر (شعوب تركية).
وليس هذا فحسب، بل إن تلك الجماعة التي عرفت بقوم موسى أو بني إسرائيل والتي عاشت في القرون القديمة، كانت آخذة في النقص والذوبان ومن ثم التلاشي، نتيجة لعمليات السبي والحروب المتواصلة والانقسام على نفسها واقتتالها للحصول على المكاسب». وثلة من المؤرخين قالوا؛ «لما دخل المسلمون أرض فلسطين في القرن السابع الميلادي لم يكن لليهود أي وجود يُذكر».
ومن أهم البلاد التي انتشرت فيها اليهودية بلاد الخزر التي تقع بلاد جنوب روسيا عند مصب نهر الفولغا في بحر الخزر أو بحر قزوين، وسكان تلك البلاد قبائل من الأتراك الغز والمغول، ويطلق عليهم اسم الخزر نسبة إلى بحر الخزر.
كونت وحكمت هذه القبائل إمبراطورية الخزر القوية من القرن 6-11م وكانوا وثنيين «شامانيين» على دين المغول، ولكن في أواخر القرن الثامن الميلادي وتحديدا في الفترة الموافقة لعهد «هارون الرشيد 786-809م اعتنقوا اليهودية.
بدأ هذا باعتناق ملك الخزر الخاقان بولان الدين اليهودي بعد حضوره مناظرة بين ثلاثة علماء مسلم ومسيحي ويهودي، فاقتنع باليهودية ثم تبعه في ذلك حاشيته وعشيرته وقسم من الشعب الخزري آنذاك في حين ظل الباقون مسلمين ونصارى وشامانيين. ولهذا الأمر أهمية تاريخية كبيرة، إذ إن الغالبية العظمى من يهود أوربا هم من أصول خزرية، ويطلق عليهم اليهود الغربيون «الاشكنازيم»، يشكلون قرابة 85% من يهود العالم وهم من أكبر»المجموعات المتهودة»، فكان منهم مثل؛ اينشتاين وماركس وتروتسكي وفرويد يُعدون من كبار أعلامهم. التاريخ يذكر كذلك آل تحاق اليهود من سائر أمصار المسلمين ومن بلاد الروم إلى بلاد الخزر، خصوصا بعد إكراه ملك الروم اليهود في بلاده على اعتناق المسيحية فهربوا الى الخزر.
أورد الدكتور «أحمد سوسه» في كتابه «العرب واليهود في التاريخ» قوله؛
«أقدم معلومات عن انتشار اليهودية في الخزر وصلتنا عن الرحالة العربي «ابن فضلان» الذي أوفده الخليفة العباسي المقتدر بالله عام921م في بعثة لملك البلغار وفي طريق عودته مر بمملكة الخزر وبعاصمتها «اتيل». ووصف ما شاهده قائلا؛»ملكهم يهودي ويقال إن له من الحاشية أربعة آلاف رجل والخزر وملكهم كلهم والغالب على أخلاقهم أخلاق أهل الأوثان». وهذا يدل رغم اعتناقهم اليهودية حافظوا على عاداتهم ولغتهم.
تدل الحوادث التاريخية أن اليهودية لم يكتب لها الدوام في الخزر بعد حوالي قرن ونصف من دخول الخزر اليهودية. جاءت حملة من الروس وقضت على مملكتهم فتشرد أهلها، وكذلك عقبه اجتياح المغول مرورا بهم في طريقهم إلى القسطنطينية والمنطقة العربية. مما أدى إلى انتشار يهود الخزر في جميع أنحاء روسيا وأوربا الشرقية والوسطى. لقد انتزع اليهود من الخزر انتزاعا ليهاجروا، ومعهم معارفهم التي اقتبسوها من بلاد العرب والمسلمين فتفوقوا على من سواهم في المجتمعات التي تعاني من التخلف والإقطاع في أوربا إِبَّان تلك الحقبة.
اليهود اختاروا التوطن على خطوط مواصلات المدن الأوربية لغرض التجارة، خصوصا في هولندا وألمانيا مما أعطاهم وضعا اقتصاديا مميزا ومتفوقا مثيرا للانتباه. وهكذا أخذ العداء لليهود عند الأوربيين آنذاك خصوصا مما أفرزته أساليبهم في إقراض النقود بالربا، وتحكمهم في الممتلكات فزادت الفتن عليهم في كل مكان من أوربا، وكان لهذا عواقبه امتد لاحقا عبر تحولات وأحداث توالى فيها ظهور استعمار أوربي، وتأسيس فكر صهيوني، وتوافق مصلحي لمكر أوربي أنتج كيانا صهيونيا جسَّدَ معاناة وظلم وتهجير إلى يومنا.