خالد محمد الدوس
ولد عالم الاجتماع المصري الأستاذ الدكتور محمد محمود الجوهري في بالقاهرة عام 1939 وبعد أن أنهى تعليمه العام تولد في جوانحه حب دراسة الظواهر الاجتماعية والتراث الشعبي والثقافي، فالتحق بالدراسة الجامعية في كلية الآداب بجامعة القاهرة ونال شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع عام 1960 بامتياز وعين معيدا بالكلية ثم شد الرحال إلى ألمانيا وسط تحديات مع الذات لمواصلة تعليمه العالي ورغبة في نهل العلم والمعرفة من أعرق الجامعات العالمية التحق (بجامعة بون) الألمانية، وبعد سنوات من الغربة والتعب والجد والمثابرة نال شهادة الدكتوراه في علم الفولكلور فعاد لموطنه بلد الحضارة والعراقة (مصر) وعمل في جامعة القاهرة وتدرج في المناصب الأكاديمية حيث عين رئيسا لقسم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة القاهرة ثم وكيلا للكلية عام 1979 حتى عام 1982 ثم رشح عميدا لكلية الآداب بجامعة القاهرة (1982 - 1985).
كما اختير نائباً لرئيس جامعة القاهرة (1985 - 1993)، ثم رئيسا لجامعة حلوان (1993 - 1997)، ثم مديرا لمركز البحوث والدراسات الاجتماعية بكلية الآداب بجامعة القاهرة (1997 - 2003).
كما اختير عميدا لمعهد الفنون الشعبية بأكاديمية الفنون بالقاهرة، وتقديرا لإسهاماته العلمية بعد أن أشرف وشارك في عدد كبير من البحوث والندوات العلمية والمؤتمرات الدولية والعربية في ميادين علم الاجتماع ودراسات التراث الشعبي، والتنمية الاجتماعية، والدراسات الثقافية.. ترأس المجلس الدولي لدراسة البحوث الاجتماعية التابع لمنظمة اليونسكو (1995 - 1997).
ومن أهم أعماله البارزة موسوعة في التراث الشعبي العربي وفي ميادين علم الاجتماع وعلم الفولكلور إنتاجه الغزير في التأليف والأبحاث وأعمال الترجمة.. فقد ألف ونشر 121 بحثا ودراسة، وترجم وشارك في ترجمة 38 عملا.. ومن أبرز إنتاجه العلمي الثري كتاب: المدخل إلى علم الاجتماع، وكتاب علم الفولكلور -الأسس والمنهجية-: وكتاب علم اجتماع التنمية، وكتاب علم الفولكلور - دراسة المعتقدات الشعبية.
وتعد موسوعة التراث الشعبي العربي التي صدرت عام 2012 عن الهيئة العامة لقصور الثقافة واحدة من أبرز أعماله وتتألف من ستة كتب وهي: علم الفولكلور (المفاهيم والمناهج والنظريات)، وكتاب: العادات والتقاليد الشعبية، الفنون الشعبية، الأدب الشعبي، المعتقدات والمعارف الشعبية، الثقافة المادية، وكتاب: التراث المتجدد (دراسات حول مستقبل التراث الشعبي) الذي صدر عام 2022 وكتب علم اجتماع البيئة. وكتاب المشكلات الاجتماعية. وكتاب علم الاجتماع الاقتصادي وكتاب ميادين علم الاجتماع مع مجموعة من المؤلفين، وغيرها من الكتب والمؤلفات التي أثرت مكتبة علم الاجتماع العربي، كما قام بترجمة العديد من الكتب بعد أن تولع مبكرا بحبها.. إذ قام بترجمة أساسيات العلوم الاجتماعية من اللغات الأوروبية إلى اللغة العربية وتخرج وتتلمذ على يديه مئات المصريين والعرب وأصبح له مدرسة متميزة في العلوم الاجتماعية على امتداد الوطن العربي وقد ثمن هؤلاء الطلاب لأستاذهم فضله ومعروفة، فحرروا مجلدا ضخما بمناسبة بلوغه السبعين من عمره بعنوان: «الثقافة والمجتمع» قام بتحريره الدكتور الراحل علي ليله والدكتور أحمد زايد وهو يضم أكثر من ثلاثين دراسة مهداة إلى أستاذهم د. محمد الجوهري وصدر عن مركز البحوث والدراسات الاجتماعية بكلية الآداب بجامعة القاهرة عام 2010.
ومن أبرز ما قام به د .محمد الجوهري من أعمال الترجمة.. الكتاب الضخم (874) صفحة بعنوان: الدليل العملي لمناهج البحث في العلوم الاجتماعية للمؤلفين العالمين (بوب ماتيوز) و(ليز روس) المتخصصين في تدريس طرق البحث في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة برمنجهام العريقة وهو كتاب يفيد الباحثين في علم الاجتماع وطلاب الدراسات العليا بعد أن أفاض المؤلفان في الحديث عن مناهج البحث وموضوعاته، خاصة أن البناء الموضوعي للكتاب الذي قام هذا العالم الاجتماعي بخبرته الأكاديمية بترجمته بعد سنوات من الجهد والعمل والتمحيص والدقة.. جاء مذهلا وثريا بسبب أحكامه وترابط فصوله.
ويعد عالم الاجتماع المعروف د. محمد الجوهري أول عالم مصري يحصل على درجة الدكتوراه من أكبر معاهد الفلكلور في العالم (جامعة بون) الألمانية عام 1966، كما قاد حركة علمية قوية تهدف إلى تطوير البحث والمناهج والدراسة في العلوم الإنسانية والاجتماعية خاصة علم الاجتماع وعلم الفلكلور.. بعد أربعين عاما قضاها في الصروح الأكاديمية في داخل مصر وخارجها كان مدرسة مستقلة (بحثا وعلما وتطبيقا) فحاز على العديد من الجوائز والأوسمة ومنها الجائزة الدولية التقديرية في العلوم الاجتماعية في مصر عام 1994 ونال وسام العلوم الفنون من الطبقة الأولى عام 1982، كما فاز بجائزة النبيل. وأمام هذه المنجزات العلمية والأعمال البحثية البارزة التي قدمها عالم الاجتماع العربي البروفيسور محمد الجوهري اعتبر من الجيل الثاني من الرواد المؤسسين المعاصرين الذين وضعوا وصاغوا هذا العلم الخصيب على الخريطة المعرفية العربية المعاصرة.. ومن أبرز أسماء الجيل الثاني الذين كانت لهم بصمات واضحة في النهوض بعلم الاجتماع العربي ونموه الدكتور فاروق العادلي والدكتور علي عبدالرزاق جلبي والدكتور حسين رشوان، والدكتور عبدالباسط محمد حسن، والدكتور عبد الحميد دسوقي، والعالمان العراقيان الدكتور إحسان الحسن، والدكتور معن خليل العمر، والعالم السوري صفوح الأخرس، وغيرهم من العلماء والخبراء في علم الاجتماع الذين تركوا إسهامات بحثية فاعلة، وأعمالا ودراسات بارزة أسهمت في نمو علم الاجتماع العربي.