خالد بن حمد المالك
منذ أكثر من شهرين وإسرائيل لا تُحسد على ما هي عليه الآن في غزة، فأهدافها المعلنة لم يتحقق منها أي شيء، ومعركتها البرية كشفتْ عن ضمور جيشها مقارنةً بما كان عليه، هذا الجيش الذي كانت تقول عنه تل أبيب إنه جيش لا يُهزم استطاعت حماس ذات الإمكانات العسكرية المحدودة أن تهزمه، وتكشفه على حقيقته في 7 أكتوبر ثم خلال الغزو لغزة في الحملة البرية الواسعة، فها هو هذا الجيش يفقد يومياً الكثير من عناصره القتالية المميزة خلال مواجهاته على مسافة صفر من المقاتلين الفلسطينيين، وكان رد الفعل الإسرائيلي الدموي حرب الإبادة الجماعية التي تقوم بها الطائرات والأسلحة الأمريكية ضد المدنيين في قطاع غزة، دون أن تصل إلى الأسرى الإسرائيليين أو عناصر حماس وقادتها.
* *
ومع هذا، ورداً على الضغط الداخلي والخارجي على حكومة إسرائيل المتطرفة، ومع فشل الحملة العسكرية البرية على غزة، فإن حكومة الكيان الإسرائيلي لا تتردد في القول إنها لن تسمح بالعودة إلى اتفاق أوسلو وتكرار ذلك الخطأ، وإنها لن تقبل بحل الدولتين، وأنَّ الضغوط الدولية لن توقف حرب إسرائيل في غزة، مع أنَّ زعيم المعارضة الإسرائيلية يرى أنَّ نتنياهو لم يتعلم شيئاً منذ 7 أكتوبر وإلى اليوم، وأنَّه لا يمكن استمراره في القيادة، فهو يعمل على الكذب والكراهية والخداع. ووزير خارجية أمريكا يقول لإسرائيل لا يمكن هزيمة فكرة في ساحة القتال، ويجب تحقيق تطلعات الفلسطينيين في نهاية المطاف.
* *
إسرائيل تقدم الآن ثمناً باهظاً وصعباً ومؤلماً كل يوم من عناصر جيشها بين قتيل وجريح، وهناك خلافات في مجلس الحرب الإسرائيلي بشأن تبادل جديد وتحرير للأسرى في الجانبين، وإيجاد فرصة لتحريك تبادل الأسرى، لأن الحرب ليست هي الأفضل بعد تساقط هذه الأعداد الكبيرة من الإسرائيليين، وغالات ونتياهو ينتظران إشارة من حماس لاستئناف ذلك، غير أنَّ لحماس شروطها الأكثر تشدداً مما تمَّ في الجولات السابقة، لأنَّ أكثر مَنْ تبقى من الرهائن هم عناصر من الجيش الإسرائيلي، أو ممن ينتمون بالجنسية إلى أمريكا الذي تعدُّ طرفاً رئيساً في هذا القتال كما تقول حماس.
* *
لقد بدأ الإسرائيليون يفقدون الثقة بجيشهم وحكومتهم، فيسارعون إلى اللجوء إلى دول أخرى بحثاً عن الأمان الذي لا يتوفر في إسرائيل، كما حدث مع أعداد كبيرة ممن طلبوا تأشيرات لجوء إلى البرتغال الأسبوع الماضي وهذا الأسبوع، دون أن يوقف العدو الإسرائيلي حربه العبثية وجرائمه البشعة التي أصبحت موضع تجريم من العالم، بدليل قرار الأمم المتحدة الذي يطالب بإيقاف الحرب بأكثرية الأصوات، وبشكل كاسح.
* *
ويُلاحظ أنَّ ارتفاع عدد القتلى والمصابين في صفوف الجيش الإسرائيلي أصبح موضعَ تساؤل في داخل إسرائيل وخارجها، فالرئيس الأمريكي يرى أنه وإسرائيل معاً في معركة ضد ما أسماه بالإرهاب ويقصد بذلك الفلسطينيين، ويحمِّل الحزب الجمهوري المسؤولية في ذلك لأنه لا يتحرك للمساعدة في القضاء عليهم، فيما يرى الإسرائيليون أنَّ سبب ارتفاع القتلى الإسرائيليين يعود إلى تغيير التكتيكات، وهكذا يظهر الموقف الإسرائيلي المرتبك أمام هذه الخسائر الجسيمة، حتى أنها بدأت في إغراق الأنفاق بمياه البحر، واستخدام قنابل غبية زودتها بها أمريكا، ومع هذا لا يتردد نتنياهو من القول إن فتح وحماس لن يتولى أيٌّ منهما إدارة غزة، ولن يتم تكرار الخطأ بالعودة إلى اتفاق أوسلو، وأن إسرائيل سوف تتولى مسؤولية إدارة غزة أمنياً بعد الحرب.
* *
وبرأينا فإن الأولوية في مسؤولية إيقاف الحرب، والذهاب إلى تحقيق خيار الدولتين تقع على الولايات المتحدة الأمريكية أولاً، فهي من تمسك بأوراق القضية الفلسطينية، وهي الوحيدة مَنْ التزمتْ بتحقيق السلام، ومنعتْ أي مشاركة من أي دولة أخرى، وبالتالي فعليها بدلاً من دعم إسرائيل في الاعتداء على الفلسطينيين، ومعاملتهم بهذه القسوة وإنكار حقوقهم، أن تتحمَّل مسؤولياتها، وأن تتوقف عن استخدام الفيتو في مجلس الأمن لإجهاض أي قرار يدين الدولة الإرهابية الأولى بالعالم، وهي إسرائيل، وأن تعمل على إقامة الدولة المنشودة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.