م. عبدالله بن سعيد الشهري

قابلت زميلا عزيزا في إحدى الفعاليات الوقفية وحدثني عن الصعوبات التي يمرون بها وتواجههم انخفاض إيرادات الوقف لديهم و بمحاولاتهم في إعادة إحياء وقف والدهم- رحمه الله- (وهو وقف مشترك دري وخيري)، وعن كثير من الإجراءات التي نفذوها ومقدار المبالغ والخسائر التي تكبدوها في سبيل إنعاش ما تبقى من الوقف، ومع ذلك لم تنجح معهم المحاولات، وكان يحدثني وكأنه يقول بصوت اليأس (مات الوالد، وباقي القليل ويموت وقفه).!!

سألته عن التفاصيل وعن طريقتهم في إدارته وكيف كانوا يعملون،؟!! فوجدت أن العمل كان يسير بخطى متذبذبة وموجات صغيرة من النجاحات وموجات كبيرة من الفتور والإخفاقات، ثم سألته عن عنايتهم بإدارته وأنا أعلم أنه حاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، وأعلم مدى نجاحه على الصعيد التجاري، وأسهبت معه في معرفة البرامج والاستراتيجيات التي وضعوها لتعظيم أثر (وقف والدهم) واستدامته وتبني صيانته والتخطيط له ووضع معايير جودة لمخرجاته؟! فتوقف عندها وقال بصراحة (ما توقعت أن الأوقاف تحتاج الى فن الإدارة ومعاييرالجودة ونظرياتها) كنا نسير على خطى الوالد وطريقته والبساطة التي كان يعمل بها في حينه وهو متفرغ للوقف في آخر حياته، ولم نحسب للتغيرات حسابها، وولم نخطط ولم نجوّد عملنا، لكن تأخرنا في معرفة ذلك!!

لامناص تلعب الأوقاف دوراً حاسماً في دعم استدامة المنظمات والمؤسسات على المدى الطويل. ويعد ضمان الجودة في الأوقاف أمرًا ضروريًا لتعظيم العائدات وإدارة المخاطر وتحقيق المهمة المقصودة من الأوقاف. ولذلك سنتناول استكشاف العوامل الرئيسية لضمان الجودة في الأوقاف ونقدم نظرة ثاقبة للاستراتيجيات وأفضل الممارسات والأدوات اللازمة لتحقيق التميز والحفاظ عليه.

والأكيد أن الجودة هي الاعتبار الأساسي في إدارة الأوقاف، فهي تؤثر على أداء الوقف وتأثيره على المدى الطويل، فضلا عن سمعة ومصداقية المنظمة والنظار القائمين على أعماله. وتتميز الأوقاف عالية الجودة بقرارات استثمارية حكيمة، وحوكمة فعالة، وممارسات إدارية ذات كفاءة وشفافة ومنهية عالية.

يشمل ضمان الجودة في الأوقاف عناصر مختلفة: بما في ذلك اختيار الاستثمار، وإدارة المخاطر، والحوكمة، وإعداد التقارير المالية. وتعتبر العناية الواجبة القوية في اختيار الفرص الاستثمارية واعتماد استراتيجيات التنويع من العوامل الرئيسية لضمان جودة محافظ الوقف.

يعد التخطيط الاستراتيجي وتخصيص الأصول وتطوير سياسة الاستثمار من الاستراتيجيات الأساسية لتحقيق التميز في الأوقاف. ومن خلال وضع أهداف واضحة، ووضع مبادئ توجيهية للاستثمار، ومراجعة الأداء بانتظام، يستطيع مديرو الأوقاف تحسين جودة قراراتهم واستثماراتهم وتحسينها على المدى الطويل.

وتشمل أفضل الممارسات في إدارة الجودة للأوقاف: المراقبة والتقييم المنتظم لأداء الاستثمار، والالتزام بمبادئ الاستثمار الأخلاقية والمسؤولة، والتواصل الفعال مع أصحاب المصلحة، بالإضافة إلى ذلك فإن التعامل مع محترفي الاستثمار ذوي الخبرة والاستفادة من خبرات المستشارين يمكن أن يساهم في الجودة الشاملة لإدارة الوقف واستدامته ونموه.

والأكيد أن بناء وخلق ثقافة الجودة داخل مؤسسة الوقف يساهم -ميكانيكا- في تعزيز الالتزام بالتميز والتحسين المستمر والالتزام بالمعايير الأخلاقية والقانونية. ويجب أن تكون هذه الثقافة متأصلة في هيكل إدارة الوقف، وعمليات الاستثمار، وآليات المساءلة، مما يخلق إطارًا يدعم السعي لتحقيق الجودة في جميع جوانب إدارته.

كما تعد إدارة المخاطر جزءًا لا يتجزأ من الحفاظ على جودة الأوقاف. ومن خلال تحديد المخاطر وتخفيفها بشكل فعال، يمكن لمديري الوقف حماية رأس المال واستدامة الوقف على المدى الطويل، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز جودة المحفظة الاستثمارية وتعظيم العائدات.

وتعتبر ممارسات الحوكمة القوية ضرورية للحفاظ على جودة الأوقاف. وتشكل هياكل الحوكمة الواضحة، والمعايير الأخلاقية، وعمليات صنع القرار الشفافة، أهمية بالغة للحفاظ على سلامة الوقف وبناء الثقة مع أصحاب المصلحة.

ويتطلب قياس جودة الأوقاف استخدام أدوات وتقنيات مختلفة، بما في ذلك معايير الأداء، وتحليل المشكلات، وأطر تقييم الأثر. وتمكن هذه الأدوات مديري الوقف من تقييم فعالية استراتيجياتهم في الإنفاق أوالاستثمار، وتحديد مجالات التحسين، وإظهار تأثير جهودهم في تحقيق مهمة الوقف.

يمكن أن يوفر فحص دراسات الحالة والرؤى المستمدة من ممارسات إدارة الأوقاف الناجحة دروسًا وإرشادات قيمة للحفاظ على الجودة في الأوقاف. إن التعلم من الأمثلة الواقعية يمكن أن يقدم رؤى عملية حول الاستراتيجيات الفعالة، والمزالق المحتملة، والأساليب المبتكرة لمراقبة الجودة في الأوقاف.

كما يعد التخطيط الاستراتيجي أمرا بالغ الأهمية لتعزيز نوعية الأوقاف. ومن خلال تحديد أهداف واضحة، وتحديد فرص النمو، ووضع خطط شاملة للاستثمار وإدارة المخاطر، يستطيع مديرو الأوقاف مساعدة مؤسساتهم لتحقيق النجاح على المدى الطويل وضمان الجودة المستمرة لأوقافهم إن شاء الله.

وأخيراً وليس آخرا تعد الجودة في الأوقاف مفهومًا متعدد الأوجه يتطلب اتباع نهج شامل للحوكمة وإدارة الاستثمار وتخفيف المخاطر. ومن خلال إعطاء الأولوية للشفافية والمساءلة والتميز في ممارساتها، تستطيع المنظمات الوقفية بناء ثقافة الجودة التي تدعم مهمتها وتحقق تأثيرًا مستدامًا للأجيال القادمة بإذن الله.