د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
ينظر السعوديون والقطريون إلى بعضهم دومًا، بنظرة إخوة ومودة واحترام، وقد ولد تلك المشاعر بينهم ذاك الارتباط التاريخي الذي أرساه الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود والشيخ قاسم بن محمد آل ثاني يرحمهما الله، بقواعد متينة صلبة، حافظت عليها القيادات والنخب والمجتمعات السعودية القطرية المتتالية، بشرائحها ومكوناتها المجتمعية من بعدهما، وحصنوا تلك الإخوة والمودة والاحترام الاستثنائي، بدبلوماسية ناعمة فاعلة.
ويشير الفصل الثامن من كتاب "مقاتل من الصحراء" لمؤلفه الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز إلى أن تاريخ العلاقات السعودية القطرية يعود إلى عصر الدولة السعودية الأولى، وأنه في عهد الدولة السعودية الثانية، مرت العلاقات السعودية القطرية بمرحلة جيدة من العلاقات، في عهد الإمام فيصل بن تركي، الذي تزامن مع عهد أمير قطر الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني.
وقد امتدت العلاقات بين بلدينا منذ ذلك "التآخي" المعهود بين الملك عبدالعزيز والشيخ قاسم إلى عمق تاريخنا المشترك، وارتبطت قياداتنا بذلك التآخي الذي أوصلنا لعلاقات ثنائية تشعبت لكل مجالات الحياة، لكونها علاقات مرتبطة بديننا الحنيف وتاريخنا وحضارتنا وثقافتنا المشتركة. وشهدت العلاقات بين بلدينا منذ ذلك الحين قفزات مميزة وواضحة للعيان، وتسير اليوم نحو مستقبل واعد ومشرف، علاقات يفخر بها الشعبان الشقيقان، ويتطلعان للمزيد منها.
وتؤدي الزيارات التي تقوم بها القيادتان دورًا حيويًا في التأسيس لتمتينها، فهي تفتح آفاقًا مثمرة للتنسيق في المجالات السياسية والأمنية، والتعاون في المجالات الاقتصادية، وهو التوجه الذي يأتي على قمة أولويات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في سعيهم للرقي بمستويات التعاون الثنائي، وتقوية العلاقات بدول الجوار، وتحقيق الأمن والاستقرار للمنطقة وشعوبها.
ومنذ أيام، شهدت العاصمة القطرية الدوحة، وبحضور أمير دولة قطر وولي العهد السعودي خلال ترؤسهما الاجتماع السابع للمجلس التنسيقي القطري - السعودي، شهدت التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، التي شملت مجالات عدة، كان من بين أبرزها، اتفاقيات في مجالات البنوك المركزية، والاستثمار والتجارة والصناعة، والمصارف والحوكمة الرقمية، والثقافة والرياضة والشباب. وإضافة لذلك، استعرضت القيادتان العلاقات المستقبلية، وسبل النهوض بها في المجالات السياسية والأمنية والتنموية.
وتجدر الإشارة هنا، إلى حقيقة أن رؤيتي البلدين للعام 2030، تسعيان للدفع بالعلاقات المشتركة إلى آفاق أوسع، تحقيقًا للنمو المنشود، ولرفاهية وازدهار الشعبين، بكل مكوناتهما المجتمعية.
وفي العمل الإقليمي والدولي، هناك توافق كبير ورؤية مشتركة في التوجهات والسياسات في التعامل مع القضايا والمستجدات والاحداث السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، ومن منظور يحقق تطلعات البلدين، وشعوب منطقة الخليج، والمنطقة العربية بأسرها.
وقد أثبت اللقاء الأخير بين الشيخ تميم بن حمد والأمير محمد بن سلمان حقيقة ذلك التوافق الذي كان واضحًا حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية، والتي يأتي من بين أبرزها على سبيل المثال لا الحصر، الأوضاع في فلسطين، والشأن اليمني، والسوداني، والسوري، والعلاقة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، والأزمة الأوكرانية. لقد باتت العلاقات الثنائية بين بلدينا مثالًا يحتذى، علاقات تسير بخطى ثابتة وإيجابية، وبمقومات ناجحة على جميع الأصعدة والمستويات، علاقات تمثل عامل استقرار وتوازن في المنطقة الخليجية والعربية، علاقات يحصنها "التآخي" والعلاقات المميزة بين القيادات السياسية في البلدين، وتمكنها من أن تسير وفق مصالحها وأهدافها بكل يسر ودون عوائق. ومن هذا المنطلق، فإنه يمكننا القول "بأن العلاقات السعودية القطرية، تزداد متانة ورسوخًا وصلابة يومًا بعد يوم، علاقات عميقة وقوية وتاريخية وإستراتيجية".
ونثمن نحن المواطنين في البلدين للقيادتين السياسيتين مواقفها، ونقدر لها مبادراتها وجهودها الصادقة في تعزيز العلاقات، ونرى في مسار القيادتين، "أنموذجا" لا مفر لنا في القطاعات الأهلية من أن "نسلكه" لنؤدي الدور المنوط بنا في تمتين تلك العلاقات على الدوام . وربما تطلب ذلك الدور الأهلي جهدًا مؤسسيًا لإنجاحه. والله من وراء القصد..