عبدالوهاب الفايز
«فيصل بن سلمان (الإنسان) اندمج سموه في المجتمع المدني بأطيافه كافة، أحبه أهلها وأحبته المدينة، وبادلهم الحب بحبٍّ أكبر، ففي البعد الاجتماعي يزاورهم ويتفقد أحوالهم، يشاركهم أفراحهم ويواسيهم في أحزانهم، وفي الجانب الإنساني يظل سموه نهرًا جاريًا من العطاء والبذل في مساعدة الفقراء والمسنين والمعاقين وإغاثة المحتاجين والمتضررين».
هذه الكلمات من مقال لأحد سكان المدينة المنورة، علي بن حسن الأحمدي، نشر في (جريدة الجزيرة، 19 مارس 2020)، وهناك مقالات كثيرة من سكان المنطقة تحمل نفس المعاني ونفس التقدير، وهؤلاء هم الأقرب والأعرف بتفاصيل الأمور التي تجري قريبة منهم. هذه الكلمات تعبر عن البعدين الإنساني والاجتماعي، فالقرب من الناس ومن احتياجاتهم وتلمس همومهم هي أبرز الأولويات لأمراء المناطق، وهذا منهج وضعه الملك عبدالعزيز، يرحمه الله، ضمن ثوابت الدولة، وطبعاً بالنسبة لأي أمير للمدينة المنورة يكون همه الأول الرئيس هو خدمة المسجد النبوي الشريف وخدمة ضيوف الرحمن من حجاج وزوار ومعتمرين.
وخدمة ضيوف المسجد النبوي يعززها ويدعمها تطور منظومة الخدمات التي يحتاجها السكان وتحتاجها التنمية في المدينه. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف السامي عمل الأمير فيصل منذ الأشهر الأولى إلى مراجعة البنية الأساسية للخدمات والإجراءات في الإمارة لتسهيل وتوسيع العمليات الإدارية والتقنية التي تسهل على المواطنين، الحصول على الخدمات من الإمارة.
وأتذكر في أول لقاء معه بعد بضعة أشهر من مباشرة عمله، كيف كان مهتماً بضرورة تطوير آليات وخدمات التواصل الرقمي التي تسهّل على المواطنين متابعة المعاملات. وهذه الرغبة انطلقت من حاجة لمسها في الأيام الأولى. (عندما أرى مواطناً كبير السن يأتي من محافظة بعيدة ليسأل عن معاملة كنت أتألم لحاله. لماذا لا ننهي هذه المعاناة). هذه الكلمات لسموه مازلت أتذكرها جيداً.. لأنها خرجت من القلب، وما يخرج من القلب يأتي محملاً بالمشاعر والأحاسيس، ولذا يبقى في الذاكرة.
وحقيقة هذا الإحساس الراقي بمعاناة الناس لا يستغرب من قيادات بلادنا، بالذات من تربي في ظل الملك سلمان، يحفظه الله. لا يُستغرب اهتمام أبنائه بكل هموم واحتياجات الناس الإنسانية والاجتماعية والخدمية. كانت أبواب بيت ومكتب سلمان بن عبدالعزيز الإنسان وولي الأمر مفتوحة للناس جميعاً من كل المناطق.
هذا الإحساس بهموم الناس كان الحافز لترتيب الأولويات، وهنا أكمل الأمير فيصل الجهود السابقة في الإمارة وبنى عليها عبر إطلاق مبادرة إنشاء مراكز الخدمة الشاملة التابعة للإمارة، وكانت المدينة أول إمارة تجمع خدمات الجهات الحكومية لإنهاء المعاملات إلكترونيًّا، ولتسهيل التواصل مع الجهات الحكومية الأخرى.
ودعم هذه المبادرة عبر تبني جائزة التميز الحكومي، لتكون محفزًا معنويًّا إيجابيًّا للارتقاء بمنطقة المدينة المنورة، ولكي تدعم الجهود والأفكار لرفع جودة الخدمات المرتبطة بالاحتياجات الإنسانية والاجتماعية عبر نشر وترسيخ ثقافة ومفاهيم الجودة والإبداع والتميز.
وهناك ثلاثة مسارات نوعية اهتم بها الأمير فيصل بن سلمان. أولها، تفعيل دور هيئة تطوير منطقة المدينة المنورة. عندما زرت الهيئة في نهاية العام 2013م وجدت آلية عمل جديدة نوعية. فقد تحولت الهيئة إلى مركز لإدارة المشاريع. وكان للأمير فيصل مكتبٌ يعمل فيه عدة أيام في الشهر لمتابعة تنفيذ المشاريع، وكانت المدينة في حاجة ماسّة لكفاءة العمل الحكومي بالذات مع وجود مشروع التوسعة للمسجد النبوي، والمشاريع الأخرى المساندة له. وكان لهذه الآلية الأثر المباشر على تحريك المشاريع الجارية ومراجعة المشاريع المتأخرة أو المتعثرة.
ومن الأولويات التي وجدتها لدى هيئة المدينه برنامج (أنسنة المدينة)، وكان لهذا البرنامج مستهدفات أبرزها تطوير الطريق الذي يصل المسجد النبوي بمسجد قباء (جادة قباء). وهنا تم تحويل الشارع التاريخي إلى ملتقى للأنشطة الثقافية النوعية، وأصبح أحد نقاط الجذب السياحي التي تثري الهدف الأكبر لزوار المسجد النبوي. كذلك جهود الأنسنة شملت تطوير مظهر الأنشطة التجارية، وتحويل الأحياء العشوائية إلى أحياء حضارية بلمسات جمالية تستلهم هوية المدينة المعمارية. وكانت هذه مبادرة نوعية أبقت الأحياء القديمة.
أيضًا اهتم الأمير فيصل بتطوير القطاع الخيري بالمدينة. لقد استثمر تجربته الممتدة لعدة سنوات في الجمعيات الخيرية في الرياض، ولكي يكون هذا الملف قريبًا منه ويتابعه بنفسه، أنشأ مكتباً في الإمارة متخصصاً في تسهيل أمور الجمعيات الخيرية. والآن.. نرى كيف نمت المنظمات غير الربحية في المنطقة بكل أنواعها. وهذا الدعم المبكر الذي تبناه الأمير فيصل ساعد القطاع الخيري للاستفادة من التطور الكبير النوعي الذي أدخلته برامج رؤية المملكة لتنمية القطاع غير الربحي.
والمسار الثالث الذي أعطاه الأمير فيصل عناية خاصة هو قطاع الأوقاف. في هذا المسار هناك قصص نجاح عديدة، وأحدثها إنشاء صندوق وقفي حرص عليه، انطلاقاً من حسه الإنساني والخيري، وهو: صندوق (وقف الشفاء). هذا الوقف مخصص ريعه لعلاج ورعاية (الحالات الصحية والإنسانية لبعض المقيمين غير المشمولين بخدمات الرعاية الصحية المجانية وأهلية العلاج في المستشفيات داخل المدينة المنورة وخارجها). الوقف استهدف جمع أصول بقيمة 200 مليون ريال، وبحمد الله تم جمع مبلغ كبير.
أيضًا من المبادرات النوعية التي حرص عليها، الاهتمام بالتراث ورعايه المكتبات الوقفية. هنا أثمرت جهوده عن إنشاء مقر لمجمع مكتبات الملك عبدالعزيز الوقفية، وهذه تعد ثالث مكتبة على مستوى الدول الإسلامية بموجودات من المخطوطات أو الكتب النادرة والتحف. كذلك اهتم بدعم إنشاء المعارض المتخصصة الإسلامية المتنوعة.
أيضًا اهتم الأمير فيصل بمجال حيوي للتنمية في المدينة وهو خدمات التطوير العقاري لأمانة المنطقة. في هذا المسار تم تفعيل شركة المقر للتطوير والتنمية، الذراع الاستثماري لأمانة المنطقة، وأثمر هذا عن قيام مشاريع نوعية منها مشروع السوق لأجل توفير بيئة ملائمة للزوار، ولكي يطور مفهموم الأسواق الشعبية. وهناك مشروع مدينة الغذاء النموذجية حتى توفر تجربة متكاملة للأسواق المركزية على مساحة مليون متر مربع. وكذلك مشروع المدينة الصناعية، المقام على مساحة 939 ألف متر مربع ليكون مدينة صناعية تجارية رائدة ومتخصصة في صيانة السيارات وخدمات المركبات. أيضًا تبنت الشركة مشروع مشراف السكني النموذجي على مساحة 460 ألف متر مربع، والذي يوفر 1421 وحدة سكنية، وغيرها من المشاريع النوعية.
ولترسيخ البعدين الحضاري والإسلامي للمدينة، حرص الأمير فيصل على إنشاء المتحف الإسلامي بجوار المسجد النبوي الشريف لعرض الآثار الإسلامية واستقطاب الآثار الإسلامية من المعارض المحلية والإسلامية والعربية، وهذا سوف يتيح الفرصة لملايين المسلمين للاطلاع على هذا الإرث الإسلامي.
أيضًا اهتم بالمحافظات والمراكز والهجر التابعة للمنطقة. منذ الشهور الأولى حرص على زيارة الأهالي لمعرفة احتياجاتهم، وهذه الزيارات الميدانية ساعدت على تطوير الخدمات ومعرفة الأولويات للناس. وحرص على استقطاب قيادات وكفاءات جديدة للمحافظات.
بقي أن نقول إن أمراء المناطق عملهم يقوم على البناء على منجزات من يسبقهم، وكل أمير يجتهد في التطوير لكي يوسع مساحة الإعمار في بلادنا، ويقودهم ويرشدهم منهج الملك عبدالعزيز في التحديث والتطوير والبناء، فالمأثور عن حكمة الملك المؤسس توجيهه أثناء بناء قصر المربع، فقد طلب تعديل بيت شعر ليصبح: (نبني كما كانت أوائلنا تبني.. ونفعل (فوق) ما فعلوا)، بدلاً من (نبني كما كانت أوائلنا.. تبني ونفعل مثلما فعلوا)، أي بَدَّل (مثلما) بـ(فوق). هذا المنهج هو الذي حفظ لبلادنا استقرارها وتطورها، فمنهج البناء والتفوق أصبح الهاجس والحافز الإيجابي الذي يجعل الناس تحرص على أن تبني وتُنمّي وتحرس، فالذي يتعب في التأسيس يحرص على المنجزات والمكتسبات، وهذا حال بلادنا، مشغولة بالبناء.. وهذا وضع في يدنا الكثير الذي نبني فوقه أفضل منه، فالقواعد سليمة وقوية.
هذه السطور قليلة ولا تكفي للاحتفاء بتجربة ناجحة للإدارة العامة وللإدارة المحلية في المدينة، خصوصًا أنها تجربة استرشدت واستفادت من التوجيهات والإرشادات التي بعثها الملك عبدالعزيز إلى وكيل إمارة المدينة عبدالعزيز البراهيم عام 1927م. وهذا الذي يهمنا.. أي الاحتفاء بالتجارب الناجحة للإدارة والحكم حتى نضيف إلى موروث الدولة.
والأمير فيصل يعمل ويجتهد وهمه الأول أن يكون عمله نافعًا للناس ولبلاده وقادتها، وبحول الله سوف نرى قصص النجاح الجديدة خصوصًا في هذه الحقبة حيث يقدم الملك سلمان وسمو ولي العهد، يحفظهما الله، للقيادات وللمسؤولين في مختلف مواقهم كل الدعم والتمكين.. وهذا التمكين رفع السقف عاليًا للمبادرة وللإبداع والتطوير. الله يعينهم ويوفقهم.