فهد بن أحمد الصالح
سيرة الأخ ابن العم عبدالرحمن بن عبدالله الصالح رحمة الله عليه تمنيت كثيراً الحديث عنه في حياته والكتابة عن بعض ما فيه ولكنه كان زاهداً في ذلك كله ولا يرغب فيه وينفي عن نفسه ما فيها من الفضائل زهداً في الدنيا ورغبة في الآخرة وواجب عليه كان يراه للناس، وفي مرضه المفاجىء كان الجميع يسأل عنه بلهفة والكل يدعو له ويبحث عن أخباره وينتظر بشارة تسعده بتقدم وضعه الصحي، والناس شهود الله في أرضه، ولذا فالناس تتحدث عن جسور من النُبل في التواصل الدائم لسنوات مع المرضى والمحتاجين والصغار والكبار وكل أطياف المجتمع، حيث كان يقوم رحمه الله بزيارة المرضى في مستشفى المجمعة أكثر من مرة أسبوعياً مواسياً ومصبراً لهم ومبشراً بما هم عليه من الأجر ويسألهم عن حاجاتهم وكيف تتحقق له خدمتهم فيها، يزورهم بوجه وضاء وابتسامة صادقة ومن يطول مكوثه في المستشفى من المرضى تجده ينتظره ويسأل عنه إذا تأخر، ولا يسأل عن المريض المنوم في الغرفة أثناء الزيارة لأنه يؤمن بفضلها ووجوبها للغني والفقير والصغير والكبير والمواطن والوافد.
كما أنه رحمه الله صاحب حضور لافت لا يتأخر عن مناسبة اجتماعية وشبابية وتعليمية ورياضية وثقافية، فهو أول من يحضر ويبارك ويهنىء في الأفراح وأول من يشارك ويعزي ويساند ويعاضد في الأحزان، ونشهد له بنقاء السريرة، حافظ للسر ويقدر خصوصية الإفشاء له ويشعرك أن مايهمك يهمه قبلك، مبادر بالتحية ويسعى لك قبل أن تسعى له ومتواصل بالسؤال عنك في الوقت الذي تؤمن فيه أن الحق له والواجب عليك ولكنها المروءة، مبتسم بصدق دون مجاملة لأنه يُحب كل الناس ويحتوي كل أحد وإن قابلته تعتقد جازماً أنك الأهم عنده والأغلى في علاقاته، يُقبل عليك حتى تستكمل حاجتك ويطمئن قلبك ولا يدبر عنك وأنت تحتاجه وتتمناه، رصين الكلمة، رطب اللسان، دافىء المشاعر، راقي الأسلوب، مُقيل للعثرات ماسح للعبرات مُنتقٍ للعبارات، أشرف وساهم بماله ووقته في بناء المسجد المقابل لمنزله بكامل مرافقه مع سكن للإمام والمؤذن وكان مهتماً به أشد اهتمام لأنه بيت من بيوت الله وتعلقت نفسه بإتمامه ثم بصيانته وتشغيله ونظافته ويراه أهم من منزله وأولى بالاهتمام منه، فالأمنيات في أغلبها ببيت في الجنة وأعانه الله ورزقه ووفقه بصدق نيته إلى المساهمة في بناء مجمع متكامل سيرفعه الله به درجات في الفردوس الأعلى.
«عبدالرحمن الصالح» رحمه الله ولا نزكي على الله أحداً يدخل ضمن الحديث الشريف لخير الأمة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام عندما سُئل من أحب الخلق إلى الله قال أنفعهم للناس. وقد قضى في سلك التعليم مايقارب أربعة عقود تخرج على يديه الآلاف من شباب ورجال المجمعة وبمختلف المسارات ونفع الله بتلاميذه في كل التخصصات هذا الوطن الكبير برجاله، والملفت للنظر علاقته المميزة جداً بأولياء أمور الطلبة حتى أصبحوا أصدقاء له ويعينهم ويتشارك معهم في رسم السياسة التربوية والسلوكية لذرياتهم وحقق قصص نجاح بالمئات تتناقلها المجالس ويقرون بالفضل إليه ويقدرون ذلك له وهذا هو التربوي النموذج الذي يؤمن أن بناء الإنسان يبدأ من التربية والتعليم والقدوة الحسنة، ولهذا هو صديق الإنسان في مدينته الغالية، ثم هو من ضمن مجلس إدارة نادي الفيحاء لأكثر من دورة والمشرف على الفئات العمرية المستجدة والناشئين وبرئاسة الأستاذ إبراهيم العمر رحمه الله التي شكلت رحلة التميز الرياضي والثقافي والاجتماعي للنادي ولشباب المدينة ورجالها فتحقق عطاء من أهل العطاء لازالت المجمعة تعيشه بفخر وذكرى متجددة صادقة، واستمر قريباً من النادي ومشجعاً له ومسانداً لكل الإدارات المتعاقبة عليه ويساندهم ويحفزهم ويدفعهم للإنجاز حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه وينافسون كبار الأندية.
علاقتي الخاصة بابن العم الغالي والأخ والصديق «أبوعبدالله» رحمة الله عليه كعلاقتي بإخواني د. محمد وخالد وصالح ود. شاكر أدام الله وجودهم ووفقني لخدمتهم وأعانني على رضاهم، وهو صاحب فضل عليّ في الصغر والكِبر وموجه لي منذ بواكير النشأة حتى آخر لقاء قريب به، يده بالفضل ممدودة لي وبالعطاء مبسوطة عليّ وبالرأي يخصني بما يخص به نفسه، أحفظ له معاريف كثيرة وأفرح بإحسانه لي لصدقه، وأقدر له أنه يصافحني بقلبه قبل يده ويجعلني بين يديه مثلما يعانق أولاده، يتعامل مع ابنيَّ أحمد وخالد مثلما يتعامل مع أبنائه من اللطف والابتسامة والدعابة ويظهر بهم عناية ورعاية يأسرهم بها وقد تعلقوا به وارتاحوا له وكان يؤنسهم وجوده ويعتبرونه شقيق والدهم وخامس أعمامهم وتراه والدتي أمد الله في عمرها على طاعته خامس أبنائها من محبتها له وقربه منها وتواصل دعوات والدتي له مثلما تدعو لنا بل إنها في مرضه وبعد وفاته تفرده في كل الأوقات بدعوات خاصة تقبل الله منها وكان يتواصل معها كتواصله مع والدته ولا يقطع الاتصال بها والدعاء لها، وأجزم أن ذلك أسلوب حياة له مع الجميع.
مناقبه متعددة وإحسانه كثير وفي كل اتصال كنا نتلقاه في مرضه وبعد وفاته نسمع عنه مالم نكن نعرف من المآثر والمواقف الإيجابية التي تُشرفنا كأسرة وأصدقاء، جعل الله ما أصابه في مرضه سبباً لمرضاته ورفعةً لدرجاته في جنته ورزقه جواراً خيراً من جواره وداراً خيراً من داره وأكرم وفادته وأحسن ضيافته ومد له في قبره مدّ بصره وتقبل الله دعوات أحبابه له وجمعه بوالديه وإخوانه في مستقر رحمته إنه جواد كريم.
كانت وفاته في يوم فضيل وليلة فضيلة والصلاة عليه في عيد الأسبوع وبعد صلاة الجمعة وفي جنازة مهيبة وجموع غفيرة من المصلين والمعزين اكتظ بهم الجامع والمشيعين في المقبرة ومن كل أطياف المجتمع ومختلف الجنسيات. رحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه الجنة مع عباده الأخيار وجبر كسر قلوب أسرته وأقاربه وأصدقائه ومعارفه والمحتاجين له وشباب ورجال مدينته التي أحبها ودفن فيها بتاريخ 10-5-1445هـ.