منصور ماجد الذيابي
كنت كتبت الكثير من المقالات الصحفية حول مآسي الحروب في العالم وآخرها الحرب الروسية التي مضى عليها قرابة العامين في أوكرانيا، وكذلك الحروب في العراق وليبيا وسوريا والسودان وأفغانستان، لكنني أكتب اليوم عن حرب جديدة في منطقتنا العربية كانت اندلعت قبل أكثر من شهرين بين حركة المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي كما أشرت إلى ذلك في مقالات بعنوان «أفق الحل لإنهاء الحرب»، و»ازدواجية المعايير الغربية تجاه القضية الفلسطينية»، غير أن الحرب الأخيرة على قطاع غزة ليست كما الحروب في سوريا وليبيا وتايوان والسودان أو في أوكرانيا التي تلقّت ولا تزال تتلقّى دعما عسكريا أمريكيا وأوروبيا ما جعل أوكرانيا تستمر أمام أقوى وأشرس جيوش العالم المدججة بكل أنواع الأسلحة الحديثة رغم نزوح ولجوء الشعب الأوكراني للدول المجاورة في مشهد لا يمكن مقارنته بمشهد النازحين في إثيوبيا والسودان وفي قطاع غزة المحاصر حيث لجأ الغزاة بدعم من أمريكا إلى ارتكاب أبشع المجازر وقصف المستشفيات والمدارس ومنع دخول شحنات المساعدات الإنسانية من الغذاء والمستلزمات الطبية والإيوائية ما أدّى إلى حدوث كارثة إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وذلك على مرأى من الدول الغربية التي كانت قد احتضنت لاجئي أوكرانيا في الفنادق الفخمة وفتحت لهم كل المعابر الآمنة، وقدمت لهم كل أشكال الرعاية الصحية والخدمات الإنسانية، بل إن هذه الدول وفّرت حتى الخدمات الحيوانية لكلاب اللاجئين الأوكرانيين الذين ما أن وصلت وفودهم حتى سارعت دول أوروبا الشرقية المجاورة لاستقبالهم بالورود مع كلابهم المُدلّلة عند نقاط العبور الحدودية، فضلا عن أن بعضا من رؤساء حكومات دول أوروبية تعهّدوا آنذاك باستقبال وإيواء الفارّين من جحيم الحرب الروسية في الفنادق الأوروبية مع توفير الحماية الكاملة لهم، كما أوضحت في مقال سابق بعنوان «اللاجئون الأوكرانيون».
على النقيض من مواقف الدول الكبرى تجاه حرب روسيا، وعلى النقيض من المشهد الإنساني تجاه لاجئي أوكرانيا، فإننا نشاهد على الجانب الآخر من المرآة الوجه القبيح لأولئك الذين سارعوا بمد يد العون وتقديم المساعدات العسكرية والمالية واللوجستية وأيضا الخدمات الإنسانية العاجلة لجميع النّازحين من أوكرانيا، إذ اكتفت أمريكا والدول الأوروبية، فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بإصدار بيانات وتصريحات خجولة إزاء جرائم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وحرمان المدنيين هناك من أبسط مقومات الحياة كالماء والغذاء والدواء والإيواء دون أن تستنكر أي من هذه الدول الكريمة مع لاجئي أوكرانيا وقواتها جرائم الاحتلال في غزة والضفة الغربية، واكتفت فقط بأن تظاهرت بالحياد تجاه ما جرى من عمليات ابادة جماعية وما يجري في الأراضي العربية المحتلة من انتهاكات لحقوق الإنسان ومآس يتحرّك لأجلها حتى الضمير الحيواني، وذلك بالرغم من وجود مكاتب ومدارس الأونروا في قطاع غزة، وبرغم مناشدات الأمم المتحدة وتحذيرات منظمة الصحة العالمية من ضرورة احترام القانون الدولي وخطورة تفشي أزمات الجوع والعطش والأمراض المعدية في الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر الذي تعرّض لقصفِ صاروخي مكثّف يُقدّر وفقا لمحللين ومراسلين صحفيين بنحو ضعف ما تعرّضت له ألمانيا النازية من قصف لطائرات الحلفاء ابّان الحرب العالمية الثانية.
فأين هو الضمير الدولي وأين هي بالونات حقوق الإنسان في أوروبا، ولماذا يقف المجتمع الدولي أمام هذه الجرائم والمجازر مكتوف الأيدي عاجزا حتى عن مجرّد إصدار إدانة دولية لما يجري في القطاع، بل وأين هو الهلال الأحمر والصليب الأسود والمنظمات الأممية الأخرى، ولماذا توافد زعماء الدول الغربية إلى إسرائيل تباعا وأعلنوا دعمهم ومساندتهم ووقوفهم إلى جانب المعتدين الغزاة في مواقف فاضحة لازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع الأحداث في الشرق الأوسط كما أوضحت في مقال سابق بعنوان «ازدواجية المعايير الغربية تجاه القضية الفلسطينية».
لذلك أتساءل هنا، بصفتي أحد الكتّاب الصحفيين وأحد المراقبين للشأن الدولي والإقليمي، عمّا هو الفرق بين النّازحين الأوكرانيين وبين نظرائهم من النّازحين الفلسطينيين الذين تستهدفهم قذائف الطائرات الحربية والأحزمة النارية الإسرائيلية حتى خلال مسيرتهم ونزوحهم داخل القطاع الذي لا تتجاوز مساحته 360 كيلو مترا مربعا!، ولماذا تغض أمريكا وحلفاؤها من دول أوروبا الشرقية والغربية الطرف عمّا يحدث من قتلٍ متعمّد للأطفال والنساء والشيوخ، ومن استهداف مباشر لمباني القطاع الصحي وكوادره الطبية؟!
أليست بنود القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني تنص على حماية كل المدنيين بصرف النظر عن لونهم وعرقهم وجنسيتهم؟!، أم أن هذا القانون الدولي يستثني النازحين من عرقيات عربية وإفريقية وآسيوية؟!.. وبرغم الهبّة الدولية الأوروبية تجاه لاجئي أوكرانيا، فإنني أتساءل عن سبب تخاذل المجتمع الدولي أمام ظاهرة اللجوء والنزوح في منطقتي الشرق الأوسط وإفريقيا كما أوضحت في مقال سابق بعنوان «ظاهرة النزوح وموقف المجتمع الدولي».
كنت ذكرت في مقال سابق بعنوان «سيناريو حرب النجوم ينطلق من أوكرانيا»، أن روسيا تتعمّد إطالة أمد الحرب لكي يستمر الدعم الأمريكي لأوكرانيا ويستمر استنزاف الاقتصاد الأمريكي إلى أن يحدث ما يؤول إلى تفكك الولايات المتحدة إلى ولايات مستقلة كما حدث للاتحاد السوفيتي خلال حرب النجوم التي أدّت إلى انهيار الامبراطورية السوفيتية في عهد بوريس يلتسن وليونيد بريجينيف وغيرهما من زعماء الدولة السوفيتية التي لفظت أنفاسها الأخيرة بعد مجاراة الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الحرب نتيجة لانهيار الاقتصاد السوفيتي تماما بعد أن اضطر السوفييت في تلك الحقبة إلى تخصيص كل موازنة الدولة لصالح برنامج الترسانة العسكرية ومجابهة العدو الأمريكي ما جعل طوابير الباحثين عن لقمة العيش تصل إلى عشرات الكيلومترات بحثا عن رغيف من الخبز وقليل من البصل والطماطم والذرة، حتى قيل أن الحكومة الاشتراكية آنذاك لجأت إلى توزيع بطاقات تموينية على المواطنين الرّوس لتأمين الحد الأدنى من الغذاء ومجابهة تداعيات الحرب ومنها أزمة الجوع التي تفشّت آنذاك في كل أنحاء الاتحاد السوفيتي. ولذلك فإن سيناريو التهجير والتجويع والتعطيش خلال حقبة الاتحاد السوفيتي هو ما تسعى إسرائيل اليوم بدعم أمريكي إلى اعادة تطبيقه على الشعب الفلسطيني بل وربما شعوب أخرى في المنطقة العربية.
وفي ظل التقاعس والتخاذل الدولي، أتساءل إن كان التحالف الغربي يسعى اليوم من خلال دعمه السياسي والعسكري لإسرائيل إلى التطهير العرقي والتهجير القسري وتقسيم المُقسّم وتجزئة المُجزّأ لما يبدو واضحا أنه هولوكوست فلسطينية جديدة، في تجاهل تام لقرارات الأمم المتحدة ولمبادرات حل الدولتين، وفي خرق واضح وانتهاك صارخ وتحدّ فاضح لكل الأعراف والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان في أن يعيش بسلام وحرية وكرامة.