خالد بن حمد المالك
على غير ما اعتاد عليه الكيان الإسرائيلي في كل حروبه منذ عام 1948م تاريخ تأسيس الدولة اليهودية على أراضٍ فلسطينية بالاحتلال والهيمنة تحقيقاً لوعد بلفور، فإنه في حرب غزة البرية لا يكاد يمر يوم منذ بدئها إلا وعدد من ضباطه وجنوده بين قتيل وجريح، فضلاً عن تعرض آلياته العسكرية للتدمير.
* *
وباعتراف العدو الإسرائيلي فإنه يدفع ثمناً كبيراً في عناصره ومعداته، دون أن يصل إلى أهدافه، أو أن يعرف كم من الوقت ستستغرق منه هذه الحرب، ويقرّ بأنه يواجه مقاومة شرسة من حماس والجهاد والفصائل الفلسطينية الأخرى، بأكثر مما كان يتوقعه، أو كان على علم به قبل بدء المعركة البرية.
* *
تحاول الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية أن تضمد جراح الإسرائيليين، والرفع من معنوياتهم، ومساعدتهم على الصمود في مواجهة الفلسطينيين في حرب مفتوحة ومكشوفة ولا قدرة للجيش الإسرائيلي في التصدي لها إلا عن بُعد جواً وبحراً وأرضاً، لأن أي مواجهة مباشرة لا فرصة فيها لقواتهم لكسبها، وإنما خسارة المزيد من عناصرهم.
* *
وبينما يصر نتنياهو على مواصلة الحرب غير عابئ بحجم الخسائر اليومية التي يتلقاها جيشه، وغير مكترث بالاحتجاجات في داخل إسرائيل التي تطالبه بإيقاف القتال من أجل تحرير الرهائن، وإيقاف نزيف الدم بين القوات الإسرائيلية، يواصل الفلسطينيون في غزة إنزال المزيد من الضربات الموجعة لعدوهم.
* *
ويفسر المراقبون إصرار حكومة الحرب والجيش في إسرائيل على مواصلة القتال على أنه لتجنب محاكمتهم على فشلهم في 7 أكتوبر، ثم في الحرب البرية بعد ذلك، بما يجعل من إسقاط حكومة نتنياهو أمراً وارداً لو توقفت الحرب، فضلاً عن محاكمة رئيس الوزراء على جرائم أخرى يحاول بمواصلة القتال الإفلات منها ولو إلى حين.
* *
ومن المؤكد أن تواصل زيارات وزير دفاع ووزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وآخرين إلى إسرائيل هو من باب رفع المعنويات الإسرائيلية المنهارة، ومساعدتهم على التخطيط للحد من الخسائر، ودعمهم بالسلاح الذي يساعدهم على ذلك، ليضاف إلى ما تقدمه الدول الأوروبية هي الأخرى من مساندة ودعم لإسرائيل.
* *
وفي ظل هذا الصراع التاريخي الدامي بين إسرائيل والفلسطينيين، فإنه لا خيار لإحلال السلام والاستقرار في المنطقة والعالم إلا بقيام الدولة الفلسطينية، تحقيقاً وتنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية، وبغير خيار الدولتين، فإن الدعم الأمريكي - الأوروبي لإسرائيل، إنما هو بمثابة جعل المنطقة في حالة من عدم الاستقرار، دون أن تكون لديهم القدرة على تحقيق هدفهم والمقصود به إسرائيل الكبرى، وذلك بتهجير الفلسطينيين إلى أراضي الجوار.
* *
وبهذا المفهوم فإن أمريكا وحلفاءها لا يخدمون إسرائيل بالدعم والمساندة والتحفيز الذي يقدمونه لتل أبيب، وإنما هم بهذا الموقف المعادي لحقوق الشعب الفلسطيني إنما يدفعون بإسرائيل إلى خسارتها حتى لأراضيها التي احتلتها عام 1948م لتقيم عليها دولة إسرائيل، قبل أن تستولي في حرب 1967م على بقية الأراضي الفلسطينية، ويصبح الفلسطينيون في بقية أراضيهم تحت الاحتلال.
* *
ولهذا فإن العودة إلى المبادرة العربية، واتفاق أوسلو، وخيار الدولتين هو الضمان والأمان لإسرائيل، كما هو للشعب الفلسطيني الذي يمارس حقه في المقاومة منذ عام 1948م وإلى اليوم رغم ضراوة القتال، وما يتعرض له من قتل وجرائم وإبادة وحرمان لأبسط حقوقه في الحياة الحرة الكريمة، ما يجعلنا نتوجه بهذه الكلمة إلى الضمير العالمي (الغائب!!) ليقول كلمته الحرة، ويتحمل مسؤوليته التاريخية، بعيداً عن الطرح الإسرائيلي الغبي الذي يقول بأن إقامة دولة فلسطينية مجاورة لدولة إسرائيل يعني انهيار إسرائيل إلى الأبد.