ميسون أبو بكر
محمد زايد الألمعي المدهش في شعره وفي حضوره وفي فلسفته للحياة أبى إلا أن يكون دهشة قصمت ظهور محبيه وسددت رصاصة إلى قلوبهم، رحل قبل أن يرحل هذا العام المليء بالحزن والكوارث والموت، وكأنه لم يحتمل وزر هذا الحزن، فكانت قصائده السابقة نبوءة برحيله المبكر حيث ما لبث يكتب رثاءه بنفسه في قصائد عديدة ما كنا نعلم أنها إنذار مبكر برحيل فارس القصيدة الذي ترجل عن سرجها فضلت فرسه في مراعي الحزن والخيبة وعلقت عصاه بين السماوات التي تخيل أن يرتقي إليها ففعل.
محمد زايد الألمعي الذي خذلنا رحيله حد القهر، ترك أصدقاءه في ذهول الفقد كأوراق الشجر في وجه الريح، أشجار حديقة القلب ماتت، والنجمات سقطت وخواتم الحبيبات ضاعت.. والقهوة نسيت مواعيدها وهربت الحمامات من أيكهنّ على غصن الشجرة. أصحاب الألمعي في ذهول فما زالت مواسم الحرف في ربيعها ومواعيد لقاء ذهبت أدراج الريح، ومراسم وداع لم تكن بحضوره لأنه جاء محمولاً فوق الغيم وعبر فضاء ضاق بمحبيه.
لقد رحل قبل أن يرحل أليس هو من قال:» حين مات أبي قبل عشرين عاماً.. تنبّأت بي، وعرفت أني سأحيا وحيداً.. وإن بكائي سيحنو عليّ.. فأمشي إلى تعبي حاملاً جثتي.. لأكون أباً لصبيّ يتيم تنبأ بي».
لكن الأحبة الذين يتّمهم غيابه لن ينسوه كما تخيل بعد الموت، فرحيل صديق ما كموت جزء منا ومن أرواحنا، فصرير أبوابنا التي لم توصد على حزننا ستظل تزعجنا كلما غنت الذاكرة قصائده. وكلما تذكرت ذلك اللقاء الذي قدم إلى الرياض بشكل خاص ليطلّ على محبيه عبر التلفزيون السعودي فتحديت بدوري الأعراف وذهبت لاستقباله في المطار لألتقي بها وبه، لعل لقائي به هو إنجاز إعلاميّ أظل أفتخر به.
لطالما كان الألمعي نسقاً مختلفاً ومدرسة شعرية ذات عزف منفرد وفيلسوفاً حمل شعلة الحداثة الشعرية منذ وقت مبكر وشجاعاً عانقته المنابر الشعرية التي دعته إليها.
وداعاً محمد زايد الألمعي رغم أني أعلم أن الشعراء يتظاهرون بالموت فقط.