د.أمل بنت محمد التميمي
ما نعرفه أن الدراما من أكثر أنواع الفنون تأثيرا في الجماهير. وتصنع قضايا الرأي العام وتوجه الجماهير، فكيف نقرأ الدراما السعودية بعيدا عن الإعجاب الذي أشعر به، ويكون تحليلا معياريا يعتمد على التنظير الإشاري (السيموطيقي) للنص؟
لعلي في هذا المقال، لا أركز كثيرا على البعد الفني، من حيث عناصر التصوير والإخراج بقدر التركيز على البعد الثقافي والاجتماعي في العمل الدرامي؛ ولذلك سوف أبدأ من نهاية العمل الدرامي.
ينتهي فيلم (السلام عليكم أمريكا) بمقولة الأستاذ الأجنبي بجامعة بوسطن الأمريكية البروفيسور بروان المشرف على مادة الأدب أنقلها مترجمة: « اجتمعنا اليوم هنا.. لنبدي احترامنا وأسفنا على فقدان طالب من الطلبة المتميزين، هو إنسان يجب أن تفخر به الإنسانية كلها.
السيدة تالة..أصدقاء سعود.. وأساتذته في جامعة بوسطن نتقدم بخالص العزاء ومشاعر الحزن، لفقدان بطل وفارس أثبت بتضحيته أن الإنسانية أعظم من اختلاف العرق واللون..وأن حب الإنسان للإنسان هو الجسر الذي نعبره إلى الضفة الأفضل، من ضفة مليئة بالحقد والعنصرية والصور النمطية إلى ضفة نصبح فيها كلنا سواسية. عالم نعيش فيه بسلام.
سعود.. فلترقد روحك بسلام...أنت فخر لبلدك السعودية...سنفتقدك دائما...باسمي وباسم جامعة بوسطن لم نجد طريقة لرد الجميل لسعود وشكره على شجاعته أفضل من هذه ]يشير إلى كتاب [كان سعود كاتبا موهوبا، وكان ليكون له مستقبل واعد، أعتقد أن طباعة هذا الكتاب ونشره كانت هي الطريقة الأمثل لتقول لكاتب مثله شكرا سعود»
(سعود) هو بطل فيلم (السلام عليكم أمريكا) الذي يضحي بنفسه لينقذ جيرانه الأجانب من اندلاع الحريق في شقتهم المجاورة له، بعدما كانوا لا يتقبلون التعامل معه مهما أبدى من محاولات للتقرب إليهم لسبب واحد من وجهة نظرهم وهو أنه إرهابي....
فيلم (السلام عليكم أمريكا) هو أحد سلسلة أفلام عناقيد، وهي سلسلة أفلام قصيرة تدور في إطار درامي متنوع، وتتناول في كل حلقة قصة مختلفة. وهي عبارة عن مجموعة من الأفلام تلفزيونية، وهو من إنتاج شركة الصدف. وعددها ما يقارب 25 فيلماً تلفزيونياً، وهو من إخراج تامر بسيوني وهند الفهاد.
قصة الفيلم تتمحور حول نظرة الغرب السلبية تجاه العرب، وفيه يسافر شاب عربي سعودي اسمه (سعود) وزوجته (تالة) للدراسة في الخارج ويضع نصب عينيه نشر الصورة الصحيحة عن ثقافته وتغيير نظرة المجتمع الغربي تجاه مجتمعاته العربية.
وقد شارك في كتابة هذا العمل الدرامي وإخراجه وتمثيله مجموعة مختلطة من السعوديين والعرب والأجانب، من التمثيل: (رزان طارق- راكان النغيمشي- وائل غازي- روان عبد الرحمن- تيرينس راندال- سيفيلانا نيكولوفا -جانا فارس)، والتأليف: لبنى حداد. وإخراج عمر الديني.
ركزت الكاتبة على أن تكون شخصية (سعود) الطالب السعودي مستقرة نفسيا، والذي يعرف أن الصورة الذهنية المستقرة عند الآخر الجار الأجنبي هي صورة سلبية؛ إذ يرى كل (عربي إرهابي) ولا يريد التعامل معه قطعيا مهما أبدى من محاولات لتحسين الصورة. ولكن سعود لم ييأس من محاولات تحسين صورة العربي عند (الجيران) ولكنهم كانوا يرفضون تقبله أو التعامل معه البتة.
يأتي البناء الدرامي ليصعد المشكلة التي تجره إلى القطيعة بعد شكوى الجيران سعود إلى الشرطة واتهامه بالإرهاب، وبعدها يستسلم (سعود) للتنمر من جيرانه خوفا على مصلحته، وعندما يقرر الانتقال من البيت الذي كان يسكنه يأتي دور البطولة الذي قام به لينقذ جيرانه من انفجار الغاز واشتعال الحريق ومن جراء ذلك يفقد حياته.
وقد اختارت الكاتبة كما رأينا في بداية هذه المقالة أن توصل الرسالة على لسان الآخر الأستاذ الأجنبي وجامعة بوسطن التي بثنائها على الطالب السعودي سعود قد دفعت عنه تهمة الإرهاب وطباعة روايته (الجيران)، وبعد فوات الأوان اكتشف الجيران مدى الضرر الذي تسببت فيه الصورة الذهنية السلبية عن الآخر العربي.
صوّر الخط الدرامي الصراع القائم بين الطلبة العرب والآخر الأجنبي، ولكنه في المقابل أظهر العلاقات الجيدة التي كانت تربط بين العرب أنفسهم، وعكست علاقات جيدة وقوية فيها روح المناصحة والمساعدة، وكذلك الصورة الجميلة التي تربط بين سعود وزوجته تالة، فالعلاقة الزوجية بين سعود وتالة تعكس الصورة الإيجابية للزوجين المحبين المتعاونين، وفيها المرح والمذاكرة والتفاهم، فتالة تستضيف زميلة زوجها سعود وتفهمها لوضعها بعدما قام أبناء المرأة العجوز التي تقيم معها بطردها، وترك سعود البيت لزوجته والزميلة وأقام عند صديقه سلطان حتى تتحسن أوضاع الزميلة.
ففكرة الفيلم الرئيسة تقوم على تحسين صورة العربي المبتعث، وهناك قصص مجاورة قصيرة لقصة سعود تحكي باختصار المشاكل التي يتعرض لها الطالب السعودي المبتعث، وكيف يكون اللقاء الأسبوعي لهؤلاء الطلبة ليتشاركوا القصص وهذا التجمع بمثابة المنتدى (التنوير) أو الاستبصار لهم والإرشاد لكيفية التكيف والتعايش مع الآخر، والتركيز على الهدف.
وفي الختام، الرسالة هي بشكل عام هي أهم عنصر من عناصر مكونات العمل الدرامي التي اختارت موضوع الطالب السعودي المبتعث ليكون موضوعها في الخط الدرامي. والبعد الثقافي قد يكون أهم الأبعاد التي التفت إليها، وقد يكون متلقي آخر يهتم بالأداء الفني، والمتخصص يهمه الطبخة الداخلية ومكوناتها. فكما نلاحظ العمل الدرامي مزيج من الثقافات السعودية والسورية والمصرية والأجنبية، وقد امتزج العمل الدرامي ليوصل رسالة إنسانية وهي (التعايش).