خالد محمد الدوس
وُلد عالم الاجتماع والفيلسوف (إدوارد ويستر مارك) في العاصمة الفنلندية هيلسينكي عام 1862، وبعد أن أنهى تعليمه العام التحق بجامعة هيلسينكي ونال شهادة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه من الجامعة ذاتها في الفلسفة السوسيولوجية، وبعد حصوله على الدكتوراه عمل أستاذا جامعيا في الفلسفة الأخلاقية والاجتماعية في (جامعة أوبو) في مدينة توركو الواقعة جنوب فنلندا، كما عمل في جامعة هيلسينكي إضافة إلى مؤسسات أكاديمية في بريطانيا وأشهرها جامعة لندن التي ساهم في إنشاء علم الاجتماع الجامعي في جامعة لندن مع العلماء ليونارد هوبهوس سنة 1907, وشغل مناصب أكاديمية في جامعتي هيلسينكي وتوركو، وكان من المفكرين الذين انتقدوا تعاليم الديانة المسيحية وأفكارها بحجة إنها تفتقد للأساس. اهتم العالم الشهير (إدوارد ويستر مارك) اهتمامًا متزايدًا بدراسة العائلة البشرية دراسة تاريخية اجتماعية في دول عدة ودونها في كتابه الشهير «موسوعة تاريخ الزواج البشري»، واشتهر بانتقاده لنظرية النسب الأمي انتقادًا علميا حيث كان يعتقد بأهمية النسب الأبوي تاريخيا على النسب الأمي، وانتهج أسلوب المقارن والأسلوب التطوري في دراسة العائلة البشرية. ألف العالم الراحل ويستر مارك مؤلفات ثرية وأهمها كتابه الموسوم (موسوعة تاريخ الزواج البشري) الذي ظهر لأول مرة عام 1926، حيث أشار في كتابه أن الزواج هو أساس تكوين العائلة، فبعد عقد الزواج بين الرجل والمرأة تتكون العائلة ثم بعد ذلك تكبر حجما وتزداد ترسخا بعد إنجابها للأطفال, وقد عرف الزواج بأنه (علاقة اجتماعية تقع بين شخصين مختلفين في الجنس (رجل وامرأة) يشرعها ويبرر وجودها المجتمع وتستمر لفترة طويلة من الزمن يستطيع خلالها المتزوجان إنجاب الأطفال وتربيتهم تربية اجتماعية وأخلاقية ودينية. ويعتقد ويستر مارك بأن الإنسان منذ بداية الخليقة يميل نحو الزواج بامرأة واحدة. كان صاحب رؤية علمية رصينة جدا في مجال تخصصه وله شهرة في أوروبا آنذاك في مشوراه العلمي كان ويستر مارك يفضل الورش الميدانية والاهتمام بالدراسات الأنثروبولوجية، ولذلك قرر السفر إلى القارة الأمريكية في محطاته ومشاريعه البحثية ثم حول وجهته إلى العيش في المغرب العربي قرابة سبع سنوات من أجل تحقيق منجزه البحثي في مجال الدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية الواسعة خلال الفترة (1898-1904)، وكان يعود إلى موطنه في العاصمة هلينسكي وأحيانا إلى لنن لإنجاز بعض أعماله العلمية في الجامعة.
قسم العالم (ويستر مارك) العوائل البشرية إلى ثلاثة أنواع:
العائلة البسيطة: التي تتكون من الأب والأم والأطفال فقط، وهذه العائلة تسكن في بيت واحد ولا تدع المجال للأقارب بالسكن في بيتها، وتوجد هذه العائلة في المجتمعات الصناعية والحضرية الراقية.
العائلة المركبة: وهذه العائلة تتكون من العائلة البسيطة إضافة إلى الأقارب كالعم والخال والجد الذين يسكنون في بيت العائلة البسيط، ومثل هذه العائلة توجد في المجتمعات الزراعية والريفية على حد سواء.
العائلة المعقدة: وهذه العائلة تكون من عائلتين أو ثلاث عوائل بسيطة في بيت واحد، وهذه العوائل البسيطة التي تعيش في بيت واحد يجب أن تربطها العلاقات القرابية المتماسكة التي تسمح لها أن تحرز الألفة والانسجام والتعاون، وتوجد هذه العائلة في المجتمعات القبلية والعشائرية وفي المجتمعات القروية الزراعية. ويعتقد ويستر مارك أيضا أن العائلة البشرية غالبا ما تتحول من عائلة بسيطة إلى عائلة مركبة ثم إلى عائلة معقدة, والتحول هذا يرجع إلى التحضر والتصنيع والتنمية الاقتصادية التي يشهدها المجتمع البشري.
وفي سياق تخصصه العميق في (علم الاجتماع العائلي) أشار العالم ويستر مارك أن نسب العائلة يعود إلى النسب الأبوي، وهو أهم لوحدة وتطور ورفاهية العائلة من النسب الأمي ويضيف أيضا أن النسب الأبوي هو أقدم تاريخيا من النسب الأمي.
رحل العالم مارك في عام 1939 وترك وراءه مورثا علميا متميزا في مجال الفلسفة وعلم الاجتماع العائلي والديني والأنثروبولوجيا، ومؤلفات تثري مكتبة علم الاجتماع الأوروبي بعد كانت دراساته العميقة وأبحاثه الرصينة تسعى إلى تقديم تفسيرات علمية للتداخل الكبير بين الموروث الاجتماعي, الديني والخرافة والشعوذة المتداخلة مع العوامل السابقة وموضوع الزواج ومظاهره.