خالد بن حمد المالك
مِنْ آثار طوفان الأقصى، وتالياً الحرب البرية في غزة أنها كشفتْ عن حالة غير موجودة في أي دولة في العالم فيما عدا إسرائيل، وأعني بها ازدواجية الجنسية لسكان إسرائيل على نطاق واسع، فما الذي يعنيه هذا التوجه من السكان إن لم يكونوا غير واثقين باستمرار دولتهم التي مضى على إنشائها في الأراضي الفلسطينية 75 عاماً.
**
هروب بعض السكان مستفيدين من ازدواجية الجنسية لديهم إلى البرتغال وغير البرتغال، بما هو معلن وما هو غير معلن من أرقام يؤكد على الشعور والانطباع المبني على الشك في استقرار الدولة اليهودية، وضمان استمرارها، خاصة بعد التطورات الأخيرة المتغيرة في موازين الحرب بين الفلسطينيين وإسرائيل منذ شهرين ونصف الشهر، رغم الدعم غير المحدود من أمريكا والغرب لإسرائيل.
**
لكن علينا أن نقرَّ بأنَّ أمامَ إسرائيل فرصة للبقاء دولةً مستقلة، لا تُنازع على ما أخذتْه قبل حرب 1967م كحق لها، إذا ما سُمح للفلسطينيين بإقامة دولة لهم وِفق خيار الدولتين، وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما ترفضه تل أبيب حتى الآن، وتؤيدها في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، ما يُعَقِّد استمرار إسرائيل دولةً دون تهديد لمستقبلها وبقائها.
**
ولو كان هناك حكماء في قيادات إسرائيل وداعميها أمريكا والغرب لما أصرُّوا على سياسة القتل الممَنهج كطريق وحيد لبقاء إسرائيل، بعيداً عن التفاهم والحوار الذي يفضي -رغم تعقيدات القضية- إلى حلول يجنِّب الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي هذا القتال الدامي الذي يكون من خلال الجلوس على طاولة واحدة للحوار.
**
أمام الطرفين مرتكزات مهمة لتحقيق المصالحة بين إسرائيل والفلسطينيين، تقود في نهاية الأمر إلى إرضاء الفلسطينيين بدولة لهم فيما كان من أراضٍ احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967م، وأعني بهذه المرتكزات المبادرة العربية، واتفاق أوسلو، وقرارات الشرعية الدولية وضمنها وأقدمها القرار الأممي الذي نَصَّ على التقسيم عام 1948م للأراضي الفلسطينية، بحيث تكون حدود دولة إسرائيل بما كان قائماً قبل حرب 1967م.
**
لكن انتصار إسرائيل فيما أُطلق عليه حرب الأيام الستة، أو النكسة، أغرى إسرائيل، وزاد من طمعها، فذهبت بعيداً في أطماعها وأهدافها، خاصة بعد احتلالها لسيناء والجولان والضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة، ليكون هذا الإصرار منها بأن تكون كل فلسطين أراضي إسرائيلية لدولة إسرائيل الكبرى.
**
بل وضمن هذه الأطماع والإمعان في جعل المنطقة في حالة من عدم الاستقرار في الحاضر وعلى المدى البعيد، فإنَّ تل أبيب لا تتحدث عن حدود لها، فهي مفتوحة، ما يعني أنها تتطلع للاستحواذ على ما هو أكبر من مساحة فلسطين، متى ما كانت لديها القدرة والإمكانات، مستفيدة من الدعم الأمريكي والأوروبي العسكري والاقتصادي والسياسي والإعلامي.
**
ومن المهم أنْ يدرك العرب والفلسطينيون أنَّ إخلال إسرائيل بمتطلبات واستحقاقات اتفاق أوسلو أولاً، ثم إلغاء هذا الاتفاق من طرف واحد ثانياً، ثم مصارحة العالم أخيراً من جانب رئيس وزراء العدو بأنه وقيادات إسرائيلية أخرى لن يمسحوا بإقامة دولة لفلسطين، وأنَّ على الفلسطينيين أنْ يظلوا تحت الاحتلال، دون أن يصدر أي تعليق من البيت الأبيض، أو من رؤساء الدول الغربية.
**
لكن وأمام هذا الزخم العالي الذي أحدثته الحرب الحالية، وبروز الحديث عن الدولة الفلسطينية عالمياً، مع تكاثر القتلى والمصابين في صفوف الإسرائيليين، وعجز الجيش الإسرائيلي من الوصول إلى أهدافه بتحرير الأسرى والقضاء على حماس والجهاد، يصبح من المعقول الحديث عن تطورات جديدة وحقيقية تحدث الآن، كون إسرائيل ليست الآن في وضع مريح مثلما كان ذلك قبل السابع من أكتوبر، ولن تكون في وضع أفضل في المستقبل ما لم تقبل بالأمر الواقع، وتستجيب لمطالب الفلسطينيين في إقامة دولة لهم.