منيرة بنت سليمان الهديب
تمهيد: يطلق على اللغة الأجنبية اللغة الثانية، وهي لغة غير اللغة الأم التي يطلق أيضًا عليها اللغة الأولى. واللغة الأم (اللغة الأولى) هي اللغة التي يتحدث بها سكان بلد أو بلدان عدة. وفي بعض المدارس يُطلب من الطلبة تعلم لغة ثانية أو ثالثة (أي لغتين أجنبيتين غير اللغة الأم). وهذه طريقة تتيح للطلبة فرصة التعرف على ثقافة جديدة من خلال لغتها، كما تمنحهم فهمًا أفضل للعالم الذي يعيشون فيه. إن الحاجة إلى تعلم لغة ثانية يُعدُّ أمرًا بالغ الأهمية في هذا العصر، حيث تزداد العولمة.
وهناك الكثير من الأفراد يتحدثون لغتين أو أكثر، فقد قُدِّر أن أكثر من نصف سكان العالم (50 %) يتحدثون لغتين. وفي الولايات المتحدة الأمريكية -على سبيل المثال- يبلغ الذين يتحدثون لغتين 55 مليون نسمة، أي ما نسبته (20 %) من السكان. ومن اللغات التي عادة يُطلب من الطلبة الاختيار من بينها (الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والصينية). وتُعدُّ اللغة الإنجليزية، اللغة السائدة، حيث يبلغ عدد المتحدثين بها أكثر من 1.1 مليار متحدث أي 15) %( تقريبًا من سكان العالم (Grosjean.2012).
وغالبًا ما يواجه الطلبة ذوو عُسر القراءة مشاكل في تعلم اللغة الثانية، حيث يعتبر تعلم لغة ثانية صعبًا بشكل خاص بالنسبة لهم (Schneider, 2009). ولندرة الكتابات حول هذا الموضوع في اللغة العربية، وبحكم عملي مع هذه الفئة من الأطفال، ارتأيت الكتابة فيه لعلي أجد إجابات لبعض تساؤلاتي وتساؤلات بعض أولياء الأمور. لذلك سيتم مراجعة الأدبيات العلمية حول عُسر القراءة واللغات الأجنبية (dyslexia and foreign languages)، وذلك من خلال مناقشة بعض المحاور، ومنها: الاختلافات في خصائص بنية اللغة وطرق التدريس، وتشخيص الطلبة ثنائيي اللغة، كما يلي:
عُسر القراءة (dyslexia):
يُعدُّ عسر القراءة من أكثر إعاقات التعلم شيوعًا، وقد تناولت العديد من الدراسات جانب عسر القراءة وفصلت فيه، ولسوء الحظ فإننا لا نعرف الكثير عن عسر القراءة لدى ثنائي اللغة، أو في متعلمي لغة ثانية (Grosjean.2019).
وعسر القراءة يؤثر على الأطفال والبالغين على حد سواء وتختلف أعراضه مع تقدم العمر، ويمكن أن تختلف شدته أيضًا. وبشكل عام يعاني الأشخاص ذوو عسر القراءة من صعوبة في تقسيم الكلمات إلى أصوات بسيطة. فهم يكافحون لتعلم كيفية ارتباط الأصوات بالحروف والكلمات، مما يؤدي إلى بطء القراءة وضعفٍ في فهمها، وغالبًا ما يُعرف ذلك بإعاقة القراءة. وغالبًا يتم تحديده في مرحلة الطفولة عندما تظهر مشاكل القراءة لأول مرة. ويمكن أن يستمر لدى البعض لسنوات أو عقود دون تشخيص. ولا يرتبط عُسر القراءة بالذكاء. بل هو اضطراب بيولوجي عصبي يؤثر على أجزاء الدماغ التي تشارك في معالجة اللغة (Osborn.2017).
وقد أورد البتال (2019) -في معجمه صعوبات التعلم- التعريف المعتمد لدى المعاهد الوطنية الصحية في «الولايات المتحدة الأمريكية»، مشيرًا إلى أن صعوبة القراءة هي صعوبة تعلم محددة ذات منشأ عصبي، وتتصف بأنها تظهر على هيئة صعوبات في التمييز أو التحديد الدقيق والسريع للكلمات فضلًا عن الضعف في القدرة على التهجئة وفك الرموز (أي الربط بين الحروف وأصواتها) ذات القيمة الدلالية (النطق). ومن الناحية الاعتيادية تنجم هذه الصعوبات من قصور في المكون الصوتي باللغة، وهو قصور يكون في أغلب الأحيان غير متوقع عطفًا على القدرات المعرفية الأخرى والتدريس غير الفعال داخل الفصل. أما التداعيات والآثار الثانوية الأخرى يمكن أن تشتمل على مشاكل في الفهم القرائي ونقص التجربة القرائية الأمر الذي يعرقل النمو في تكوين حصيلة المفردات اللغوية والخلفية المعرفية.
اكتساب لغة ثانية وعسر القراءة:
يُمكن للفرد في أي مرحلة عُمرية من اكتساب لغة ثانية؛ وذلك لدى الأفراد الذين لا يعانون من أي إعاقات تعلُمية. ولسوء الحظ كان يُعتقد لفترة طويلة أن تعلم لغة أخرى قد تتسبب في مشكلات قرائية في مراحل الطفولة المبكرة، والمفاجأة بأن العديد من الأبحاث أظهرت أن هذا الأمر عار من الصحة، وبالعكس تمامًا؛ فقد تُعزز ثنائية اللغة (أي تعلم لغة أخرى) العديد من القدرات بالدماغ مثل: حل المشكلات، وكذلك القدرة على تحليل جوانب مُختلفة من اللغة.
أما بالنسبة للأفراد ذوي عُسر القراءة فلا يوجد دليل علمي واضح بأن عسر القراءة أكثر شيوعًا بين ثنائي اللغة منه عن أحادي اللغة. فثنائية اللغة ليست سببًا مباشرًا لعسر القراءة، بل إن عسر القراءة -علميًا- يرتبط بعوامل عصبية معرفية موروثة -كما أسلفت سابقًا-، ففي إحدى الدراسات التي قاموا بها (Hoeft et al.2007) أثبتوا أن التعرض المبكر للغة ثانية قد يكون له تأثير إيجابي على مرونة نمو مناطق معينة بالدماغ لدى الأشخاص المصابين بعسر القراءة، وليس كما هو شائع.
(Kovelman, Bisconti, and Hoef.2016)
ويُعتقد أن الأطفال المصابين بعسر القراءة يعانون من ضعف ذي منشئ وراثي في معالجة أصوات اللغة؛ وهذا يعني أن الأطفال المولودين ولديهم استعداد جيني لعسر القراءة هم من سيجدون صعوبة في تعلم القراءة واكتساب لغة جديدة سواءً كانوا من ثنائي اللغة أو أحاديي اللغة (Grosjean.2019).
خصائص بنية اللغة وطرق التدريس:
يبدو أن نمو الدماغ ونقاط الضعف لدى المصابين بعُسر القراءة متشابهة بغض النظر عن اللغة التي يتحدثون بها. ومع ذلك قد لا تبدو التحديات وأنماط الأخطاء متشابهة في كل لغة. فعلى سبيل المثال، قد يرتكب الأطفال أخطاءً في القراءة باللغة الإنجليزية أكثر من لغتهم الأولى، لكن قراءتهم قد تكون أبطأ في لغتهم الأولى منها في اللغة الإنجليزية (Rosen.n.d).
وقد فسرت جامعة برونيل هذا الأمر؛ فمُعاناة بعض الأشخاص ثنائي اللغة الذين يعانون من عسر القراءة في لغة دون الأخرى؛ راجع إلى خصائص بنية اللغة وطرق التدريس، فعلى سبيل المثال قد تكون شدة عسر القراءة باللغة الإنجليزية لديه أكثر من لغته الأم، وللإيضاح أكثر:
يمكن أن تكون مستويات عسر القراءة أقل بكثير في البلدان التي لديها نظام كتابي قائم على الرموز، مثل: اليابانية أو الصينية ؛ بسبب طريقة تدريس أنظمة الكتابة في هذه المدارس، فعندما يتعلم الأطفال كتابة أحرف كانجي اليابانية أو الصينية فإنهم يكررون باستمرار ترتيب الضربات المطلوبة لرسم كل حرف أثناء التحدث بصوت عالٍ للكلمة المقابلة، مما يساعد ذلك التسلسل الحركي مزيجًا من الحركات الصغيرة المطلوبة لكتابة كل كلمة أو صوت على الوصول إلى أدمغتهم، فعندما يُطلب من الطفل أن يكتب لاحقًا -كما ذكر د. وايدل- تقوم يد الطفل تلقائيًا تقريبًا بتدوين ذلك من الذاكرة.
وهذا تفسير منطقي؛ فمن الممكن جدًا للأشخاص الذين يتعلمون القراءة والكتابة باللغتين الصينية أو اليابانية ألا يكون لديهم أي فكرة على أنهم يعانون من عسر القراءة حتى يبدأوا لاحقًا في تعلم لغة جديدة مثل: اللغة الإنجليزية، وهي لغة أصعب فيضطرون للتعلم بطرق مختلفة تمامًا تتناسب مع عسر القراءة لديهم. ومن الجدير ذكره أن معدل انتشار عسر القراءة في اليابان منخفض جدًا حيث يصل فقط إلى 1.4 % (neurosciencenews.2020).
وقد عقد بعض الباحثين دراسة وجدوا بها أن اللغة الصينية تحتاج إلى ذاكرة بصرية أفضل لتمييز الحروف الهجائية المختلفة، في حين أن اللغة الإنجليزية معقدة من حيث الصوتيات؛ مما يشير إلى مدى اختلاف صعوبات التعلم من لغة لأخرى (Singh.2022).
تشخيص الطلبة ثنائيي اللغة:
غالبًا يتأخر تشخيص عُسر القراءة لدى بعض الطلبة ثنائيي اللغة، لوجود افتراض أنهم ببساطة يعانون من تعلم لغة جديدة. وهناك من يعتقد بأن علامات عُسر القراءة تظهر لاحقًا عند الطلبة ثنائيي اللغة، وهذا غير صحيح، فالعلامات لا تظهر في وقت لاحق، ولكن في كثير من الأحيان، يتم التعرف عليها لاحقًا، لأن المعلمين وحتى الآباء يعتقدون أن أطفالهم يواجهون مشكلة في القراءة لأنهم يعانون من تعلم لغة جديدة. ويرى أحد الباحثين أنه قد تكون هناك اختلافات صغيرة في كيفية تطور الدماغ لدى الطالب ثنائي اللغة، حيث يرى بعض الخبراء وجود فائدة لدماغ الطالب ثنائي اللغة. ولكن الكثيرين منهم لا يعتقدون أنها تخلق أي ميزة حقيقية، أو أن المهارات المكتسبة في التحدث بلغتين تترجم إلى مهارات عامة. وهناك أمر واحد يتفقون عليه وهو أن كونك ثنائي اللغة، لا يسبب عُسرًا للقراءة أو يزيد من خطر حدوثه (Kenneth الجزيرة Ludo,2018)
وإذا كان هناك شك بأن الطالب يعاني من عُسر القراءة، فإن الطريقة الوحيدة للتأكد من ذلك هي اختباره في عُسر القراءة كجزء من التقييم الشامل. وسيحدد اختبار عُسر القراءة مناطق معينة من الضعف في القراءة. (يجب أن يختبر المقيِّم أيضًا مشكلات اللغة والمعالجة الأخرى). وفيما يلي أمثلة على المهارات التي قد يقيمها اختبار عُسر القراءة: الوعي الصوتي، وفك الرموز، والطلاقة في القراءة والفهم، والتسمية السريعة (Di Betta الجزيرة Romani, 2006).
وتُعد أفضل طريقة لتشخيص الطلبة ثنائيي اللغة هي إجراء اختبارات عُسر القراءة باللغتين. بعد ذلك، يمكن للمقيّمين معرفة ما إذا كان الطالب يواجه صعوبة في المهام المتعلقة بالقراءة بلغة واحدة فقط، أو بكلتا اللغتين. وقد يكون من المفيد للمقيّم أن يسأل عن التاريخ العائلي لقضايا القراءة، لأن عُسر القراءة يميل إلى الانتشار في العائلات. ويتفق الخبراء إلى حد كبير على أنه يجب استخدام البرامج التي تستند على طريقة أورتن -جيلينجهام (Orton-Gillingham) مع الطلبة الذين يتحدثون لغتين. وقد يتساءل الآباء: هل من الأفضل تعليم الطلبة ذوي عُسر القراءة بلغتهم الأولى؟ والجواب: هو أن يتعلم الطلبة باللغة التي سيقرؤون بها في المدرسة (Kenneth الجزيرة Ludo,2018).
الخاتمة:
يوجد عُسر القراءة في جميع اللغات. وعلى الرغم من أن الصعوبات هي نفسها إلى حد كبير في كل لغة، فإن الطلبة الذين يتحدثون لغتين ولديهم عُسر قراءة، يواجهون مجموعة خاصة من الصعوبات والتحديات. وعلى الرغم أن الباحثين لا يتفقون على كيفية تأثير التحدث بلغتين على الطلبة ذوي عُسر القراءة، حيث لا يزال هناك الكثير من الأسئلة، حول تعلم اللغة الثانية وارتباطها مع القراءة والكتابة لدى الأفراد ذوي عُسر القراءة، إلا أنهم يتفقون أن تعلم لغة ثانية ليس سببًا لعُسر القراءة.
وليس من السهل دائمًا الحُكم على المتعلم ومعرفة ما إذا كان متعلم اللغة الثانية الذي يكافح من أجل القراءة يعاني من إعاقة بالتعلم (ديسلكسيا)، أو فقط يحتاج ببساطة إلى مزيد من الوقت لتعلم القراءة في اللغة الثانية مثل الطلاب الآخرين من العمر نفسه، لأن أنماط الأخطاء الناجمة بدت لي بالميدان العملي متشابهة جدًا، والتشخيص الشامل باللغتين لجميع الجوانب النمائية والأكاديمية هو الفيصل في ذلك.
المراجع
البتال، زيد. (2019). معجم صعوبات التعلم. مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة.