عبدالرحمن الحبيب
في الوقت الذي تقدم فيه وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية خدمات مجانية من معلومات وعروض ترفيهية ممتعة للمتلقين، لكنها ترفقها بوابل من الإعلانات التي تبدو مزعجة للكثيرين.. ومع تنامي الإعلانات تنامت معها الرسوم المالية مقابل خدمة بدون إعلانات، هذه الرسوم عادة يدفعها ميسورو الحال والأغنياء وهم أهم المستهدفين لدى المعلنين الذين صاروا يبحثون عن أماكن أخرى لاقتناص الأغنياء، رغم أن المواقع الإلكترونية لا تزال تحظي بالنسبة الأعلى من الإعلانات مقارنة بكافة الوسائل الأخرى...
في الشهر الماضي، بدأت شركة ميتا المالكة لفيسبوك، في تقديم اشتراكات خالية من الإعلانات للعملاء في أوروبا في فيسبوك وشبكتها الشقيقة، انستجرام، مقابل 9.99 يورو شهريًا. في أكتوبر، أطلقت شركة X (تويتر سابقًا) خياراً خالياً من الإعلانات. وفي الشهر نفسه، أعلن تطبيق تيك توك أنه يختبر اشتراكًا خاليًا من الإعلانات. وفي الشهر التالي، قالت شركة سناب شات إنها ستفعل الشيء نفسه، حسب تقرير مجلة الإيكونيميست.
كما يذكر التقرير إن شبكات التواصل الاجتماعي ليست الوسيلة الوحيدة التي تسمح بتجنب الإعلانات فمن الفيديو والصوت إلى الأخبار والألعاب، وعمل مزيج من الإجراءات والتغيرات التكنولوجية على تشجيع شركات الإعلام على تقديم البدائل. يقول بريان ويزر، من شركة ماديسون آند وول للاستشارات الإعلانية: «نحن في عالم حيث سيكون من الممكن بشكل متزايد تجنب الإعلانات». ومع انسحاب الأغنياء من الإعلانات التجارية على بعض المنصات، يبحث المعلنون عنهم في أماكن جديدة، إذ إن كل من يدفع مقابل إلغاء الاشتراك في الإعلانات هو في الغالب حالياً يميل إلى أن يكون أكثر ثراءً من أولئك الذين يشاهدون تلك الإعلانات، فمن بين أولئك الذين يدفعون مقابل الحصول على الأخبار عبر الإنترنت، ينتمي ثمانية من كل عشرة إلى أسر ذات دخل متوسط أو مرتفع، وفقًا لمعهد رويترز. زادت نسبة البالغين في البلدان الغنية الذين دفعوا ثمن الاشتراك بدون إعلانات في موقع إخباري على الإنترنت من 5 في المائة عام 2014 إلى 13 في المائة لهذا العام، وفقا لمعهد رويترز بجامعة أكسفورد. خلال الفترة نفسها، أفسح الراديو المدعوم بالإعلانات المجال للموسيقى المتدفقة (بدون تنزيل الملفات من الإنترنت) والبودكاست على منصات مثل سبوتيفي، التي يدفع 40 في المائة من مستخدميها البالغ عددهم 575 مليونًا 10.99 دولارًا شهريًا للاستماع بدون إعلانات. كذلك التلفزيون، الذي تبلغ قيمة إعلاناته 160 مليار دولار سنويا (الإيكونيميست)، يمر الآن بمرحلة التحول الرقمي الخاصة به. فعلى سبيل المثال، يدفع ثلاثة أرباع عملاء البث المباشر الأمريكيين مقابل تخطي الإعلانات، وفقًا لتقديرات شركة Antenna، وهي شركة بيانات. ومع انجراف المشاهدين إلى هذا البث المباشر، سينخفض مخزون الإعلانات التلفزيونية في أمريكا بمقدار الربع في السنوات الأربع المقبلة، وفقا لتقديرات ويزر. فكيف سيتعامل مديرو الإعلانات مع هذا الوضع؟ يبدو أنهم واثقون من أن لديهم طرقًا أخرى للوصول إلى المستهلكين ذوي القيمة، فحسب الإيكونيميست سيصل الإنفاق الإعلاني في جميع أنحاء العالم (باستثناء المواقع السياسية الأمريكية) إلى 889 مليار دولار في عام 2023، بنسبة نمو بين 5-6 في المائة سنويًا على مدى السنوات الخمس المقبلة، وفي مقدمتها الإعلانات الرقمية، وفقًا لتوقعات شركة Groupm، التي تضع إعلانات نيابة عن العلامات التجارية. قد ينخفض عدد الإعلانات الي يتم مشاهدتها على التلفزيون، لكن قدرة القائمين على البث المباشر على استهداف الإعلانات التجارية ستجعلهم أكثر فعالية بكثير من الإعلانات التليفزيونية التقليدية، كما يقول مارك ريد، رئيس شركة wpp، أكبر شركة إعلانية في العالم والشركة الأم لمجموعة Groupm. ستكون الفواصل الإعلانية الأقصر لمقدمي البث أفضل في جذب انتباه المشاهدين. يقول السيد ريد: «يدرك عملاؤنا أن تحميل الإعلان لمدة دقيقتين إلى ثلاث دقائق أكثر قيمة من تحميل الإعلان لمدة تسع دقائق».
ومن الممكن أيضاً أن يلجأ المعلنون إلى منصات لا يجد الأثرياء مفراً منها، فقد نما الإنفاق على وسائل الإعلام خارج المنزل - اللوحات الإعلانية وما شابه - بنسبة 7 في المائة هذا العام، وهو الآن أعلى من مستوى ما قبل وباء كورونا، وفقًا Magna، الذراع البحثي لشركة Interpublic، وهي وكالة إعلانية كبرى. كما تظل رعاية الأحداث الرياضية وما شابه محصنة ضد التعطيل الرقمي للإعلانات. ويقول ويزر إن الأنواع الأخرى من إقناع الشركات، مثل العلاقات العامة، قد تستفيد لأنه أصبح من الصعب الوصول إلى الناس عبر أساليب الإعلانات القديمة (الإيكونيميست).
هناك أيضاً، أساليب وحيل أخرى للإعلانات مثل حيلة أمازون لبيع الإعلانات إلى جانب نتائج البحث على موقع البيع بالتجزئة الخاص بها - وهو أمر بدأت القيام به قبل ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمن - ستكسب نحو 45 مليار دولار هذا العام، أي أكثر مما حققته صناعة الصحف العالمية بأكملها. وحتى على الشبكات الاجتماعية، ستكون هناك طرق للعلامات التجارية للوصول إلى الأشخاص الذين يدفعون مقابل مشاهدة المحتوى بدون إعلانات. ويبدو أنه مهما دفع الناس من مبالغ لتجنب الإعلانات فسيجد المعلنون طرائق أخرى ليظهروا إعلاناتهم.