د.عبدالعزيز عبدالله الأسمري
تعد مفاجأة ما يعرف في إسرائيل بحرب «يوم الغفران» (1973)، وعملية «طوفان الأقصى» 7 أكتوبر، أهم الإخفاقات الاستخباراتية الأساسية في التاريخ الحديث لدولة إسرائيل، والذي نتج عن قصر في تحليل المعلومات الاستخبارية وفشل في تحديد الإنكار والخداع الذي يقوم به الخصوم - كما هو الحال في عملية بربروسا (1941)، وبيرل هاربور (1941)، وأزمة الصواريخ الكوبية (1962) - حيث كان التقييم الاستخباري الإسرائيلي في حرب «يوم الغفران» قد حدد احتمالاً منخفضا للحرب رغم وجود معلومات تشير إلى أن هجوما مفاجئًا كان ينبثق ومؤشرات لعمليات «إنكار وخداع» يقوم بها الجيش المصري، لم تؤخذ كلها على محمل الجد آنذاك، وهو الحال نفسه على ما رصد عن حماس من معلومات فهمت انها تستعد لتنفيذ غارات على الضفة الغربية وليس إسرائيل. كانت المخابرات الإسرائيلية قد حصلت على وثيقة من أربعين صفحة توضح تفاصيل الخطة التي كانت حماس تضعها استعداداً لهجومها غير المسبوق في السابع من أكتوبر أي قبل عام من حدوثه، بالإضافة إلى توفر تقارير تحذر من رصد عناصر لحماس اثناء تدريبهم على بعض أجزاء تلك الخطة، لكنه في نهاية المطاف لم يلتفت لها ولم تعط الأهمية التي كانت تستحقها، حيث لم يتصور المحللون الاستخباريون في مجتمع المخابرات الإسرائيلية أن حماس قد حازت على تلك القدرات التي حددتها خطة المعركة تلك، واعتبروها مجرد خطة مستقبلية ستعمل عليها خلال السنوات القادمة.
لقد وصفت بعض أجهزة المخابرات الإسرائيلية تلك الخطة بأن فيها تشابه إلى حد كبير لخطة هجمات 11 سبتمبر، ولكنها بالنسبة لحماس خيالية وتتعدى قدراتها، رغم رصدهم لتدريب عناصر حماس لمدة أسابيع على حدودهم مع غزة، وإنشائها هياكل وهمية مشابهة لمستوطنات إسرائيلية نفذوا غارات تدريبية عليها. في الجانب الآخر كان لعامل السرية التي فرضته أجهزة حماس الأمنية في إخفاء قدراتها ونوياها وحماية المعلومات الحساسة من التسرب، حين غيبتها خلف جدار كثيف من الكتمان - حتى عن كبار قادتها السياسيين وبعض من القادة الميدانيين - كان حجر الزاوية في منع انكشاف ما تعتزم القيام به للجانب الإسرائيلي، بل وانجح عنصر المفاجأة الذي عولت عليه في توقيت هجومها.
لقد لعبت العقلية الإسرائيلية المتغطرسة دوراً فعالاً في عدم رؤية قدرات حماس واقتناص ما كانت تعتزم القيام به، وذلك بسبب تسلل التحيز الفكري إلى التحليل الاستخباري حيث عملوا وفق افتراضات خاطئة تجزم بأن حماس أقل قدرة من القيام بمثل هذا الهجوم، وقد زاد الطين بلة تعظيمهم لقدرة التفوق التكنولوجي الإسرائيلي على منع حدوث مثل ذلك، وهو ما يعد فشلاً استخبارياً في تقييم قدرات ونوايا الخصم، خاصة عندما اعتقد ان حماس قد جنحت إلى السلم واقتربت كثيرا من تحقيق أهدافها لمجرد أنها أصبحت تهتم بالتنمية الاقتصادية لقطاع غزة.