م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- ولادة طفل معاق في الأسرة تعد نقطة تحول في حياة هذه الأسرة، فمسار حياتهم وسلوكياتهم واهتماماتهم سوف يعاد تشكيلها، ويتم توجيهها بناء على حالة ذلك الطفل المعاق.. فهو الذي سوف يشكل حياة الأسرة أكثر من أن الأسرة سوف تشكل حياته.
2- ولادة طفل معاق في الأسرة سوف يوقظ مشاعر وأحاسيس جديدة في حياة الأبوين، ويؤثر على منهجية تفكيرهما، ويحدد أولوياتهما، ويحد من حركتهما، ويوجه اهتماماتهما، ويحصر علاقاتهما، ويعوق من حرية تنقلهما، ويُحْدِث حالة من الطوارئ في البيت مما يؤثر على حياة بقية الأبناء في الأسرة.
3- ولادة طفل معاق في الأسرة سوف يوجه سلوكيات الأبوين إلى أحد الاتجاهات التالية: إما أنهما سيضطلعان معاً بالعناية بهذه الحالة الطارئة غير المنتظرة والتي ستكون دائمة - فليس طفلهم مريضاً يُرْجى شفاؤه بل معاق حتى يأخذ الله أمانته - وهنا على الأبوين مواجهة الأمر بتبعاته النفسية والجسدية والمادية، والاستسلام لقضاء الله وقدره.. أو أن يُحْدث ذلك الأمر فجوة بين الأم والأب فيكون الطلاق أو هروب أحد الأبوين بعيداً عن مواجهة هذه المشكلة، وبالتالي تَفَرُّغ الآخر للعناية بهذا الطفل المعاق.. أو أن يكتشف أحد الأبوين أو كلاهما بعداً نفسياً وروحياً يجعلهما يريا العالم والحياة بمنظار آخر، منظار الإنسان المتسامي المعطاء الجاد، بينما كانا قبل ولادة طفلهما المعاق يلهوان في الحياة مثل معظم الناس.
4- حالة الاكتشاف والتجلي هذه تُحَوِّل حالة طفلهما المعاق إلى نعمة لا نقمة، إلى حالة تدفع الأبوين إلى الأمام لا الوقوف أو التراجع أو الهروب.. حالة تستدعي منهما حشد الهمم والجهود، والسير بالأسرة كلها إلى الأمام بتكاتف وتكامل تربوي يُوَلِّد لدى الأبناء أحاسيس راقية وهمماً عالية وفهماً أوسع للحياة ونوائبها، ويجعلهم في حالة استنفار لا تراخ فيها لمواجهة الحياة، وهذه خصال النجاح المطلوبة، فتكون حالة ذلك الطفل المعاق نعمة على الأسرة كلها.. فالأبوان أو أحدهما وجد لذة العطاء والتفاني وتَجَلَّى في تقديمها، والأبناء نشأوا منتبهين يقظين مستعدين بقيم ومفاهيم تفوق أقرانهم الذين لم يرزقوا بأخ أو أخت معاقة.
5- ذلك كان الوجه الأولي الذي يخص النفس والتأثير النفسي المباشر على الأسرة.. لكن ما هي تبعات ذلك على الأسرة مالياً خصوصاً للأسر رقيقة الحال؟ وما هي تبعاتها على الأسر التي تريد أن تسافر خلال العُطَل والإجازات، لكن لا يمكن أن يسافروا جميعاً بسبب ذلك الطفل ولا بد من بقاء بعض أفراد الأسرة معه.. أيضاً ماذا تفعل الأسر إذا لم تجد معاهد أو مراكز تأهيل تناسب حالة الإعاقة لطفلهم، أو لو أراد أحد الوالدين أن يأخذ يوم إجازة في الأسبوع أو حتى يذهب للعُمْرة لكنه لا يجد دار رعاية تعتني بطفله ليوم أو يومين أو ثلاثة.. وغيرها؟ هنا نجد أن ذلك الطفل المعاق قد أوقع الأسرة كلها في الأُسْر.
6- الطفل المعاق في الأسرة، يعوق الأسرة ويضعها في الأسر.. فما هو الدور المنتظر من مجتمع التكامل والتكافل، مجتمع «رؤية السعودية 2030»؟