د.محمد بن عبدالرحمن البشر
ابن قتيبة عبدالله الدينوري، ولد بالكوفة في زمن الدولة العباسية، والدينوري نسبة إلى دينور بفارس، والتي أمضى قاضيا فيها فترة طويلة من عمره، وهو من أوائل المؤرخين، ويلقب بخطيب أهل السنة، لأنه كان من أبرز المدافعين عن أهل السنة في زمن كان فيه الجدل المذهبي قائماً على أوسع نطاق، فهناك المعتزلة والقدرية والجبرية والسنة والشيعة، وغيرها كثير، ولهذا فقد أثنى عليه ابن تيمية، الذي جاء بعده بعشرات السنين لكون ابن تيمية من أئمة أهل السنة، أما ابن قتيبة فقد تتلمذ على يد أحد علماء المذهب الشافعي، وهو إسحاق بن راهويه، كما درس النحو على يد أبي حاتم السجستاني، وتتلمذ على يد عبدالرحمن بن أخي الأصمعي، ولهذا فقد أكثر الرواية عن الأصمعي.
له مؤلفات كثيرة منها عيون الأخبار، وأدب الكاتب، وينسب إليه كتاب تاريخ الخلفاء والإمامة والسياسة، وعلى هذا الكتاب أسس بعض الساسة في العصور اللاحقة شرعيتهم السياسية، وأسلوب حكمهم، وعندما خرج إلى النور كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه في الأندلس سارع الوزير والأديب والشاعر الصاحب بن عباد إلى اقتنائه، وأرسل الرسل لإحضاره، وبعد أن قرأه قال قولته المشهورة : هذه بضاعتنا ردت إلينا، وهو يعني أن ابن عبدربه اعتمد على كتاب عيون الأخبار وغيره لابن قتيبة، والصاحب كان وزيرا في العصر البويهي الذي كان الخليفة العباسي السني المذهب يحكم بالاسم، بينما الحكم الحقيقي في يد بني بويه الشيعية المذهب، ومنهم الصاحب بن عباد، وقبله ابن العميد، وهما من أعمدة الأدب العربي، وقد ألف فيهما ابن حيان التوحيدي كتابا ظريفا اسمه مثالب أو مساوئ الوزيرين، قدمه خفية إلى الوزير ابن سعدان خوفا على حياته في قصة ليس هذا موضعها، أما بن عبدربه الاندلسي فهو غني عن التعريف عاش فقيراً بادئ أمره، وتقرب إلى الحكام، ونال مبتغاه حيث عاش جليسا ومؤانساً لأربعة منهم، حيث طال به العمر، لكنه كان متذمراً غير قنوع، فعند قدوم المغني المشهور زرياب إلى الأندلس، ورأى ما حظي به من عز ومكانه، وما ناله من مال، قال:
ما يأخذه العالم في دهره
يأخذه زرياب في ساعته
يبدو حسدا لزرياب، كفانا الله واياكم شر الحسد، فالفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والقناعة كنز، والحكيم من لا ينظر ما في أيدي الناس، لا سيما أن ابن عبد ربه قد أعطاه الله مالاً وافراً وجاهاً واسعاً، بعد أن كان فقيراً، والحق أن زرياب ليس موسيقياً ومغنياً فحسب، بل هو أول من أدخل الأتكيت، وأصول وضع السفرة، وتعدد الأطباق، وكيفية تناول المائدة، إلى العالم أجمع، كما أنه أضاف إلى الملابس الزركشة، مع التناسق في الألوان، وللدلالة على العلة النفسية التي ابتلي بها ابن عبد ربه، قوله في أهل عصره:
وأَيَّامٌ خَلَتْ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ
وَدُنَيا قَدْ تَوَزَّعَهَا الكلَابُ
كِلابٌ لَوْ سَأَلْتَهُمُ تُرَاباً
لَقالوا عِنْدَنا انْقَطَعَ التُّرَابُ
هذا وهو بهذه المكانه، فكيف لو كان غير ذلك، رزقنا الله القناعة والرضا، والحمد لله في كل حال، وعلى كل حال.
لقد دفع بنا نهر الأدب وأصحابه إلى غير ما نرمي إليه، وها نحن نعود إلى ابن قتيبة، والطعام، فهو باب من أبواب عديدة في كتابه النفيس عيون الاخبار، الذي جمع فيه الغث والسمين، والكيس من فرق بينها، ومن طرائف ما أورده أن داخل دخل على نصر بن سيار، وحوله بنيه، فقال: أتدرون من بني هؤلاء، هؤلاء بنو البصل، فقد كان يأكل البصل بكثرة، نياً، ومشوياً ومطبوخاً، وأنا أقول أعان الله زوجته على الرائحة، ويقول ابن قتيبه أن الأطباء يقولون إن البصل يشهي إلى الطعام إن أكل نيئاً أو مشوياً، كما يشهي إلى الجماع، وان اكتحل بمائه مع العسل تكحل به العين ليجلو البصر، كما يقول ان العصافير إذا أكلت مع البصل والزنجبيل، هيجت شهوة الجماع، وكثرت المني، وأقول أما أنا فلم أجربه، ولكن لا أظن أن كلامه صواباً، ويقول عن القرع إنه اذا شوي وخلط بماء ثم وضع في الأذن كان شفاء لها، كما قال عن الجرجير إنه يزيد في الباءة، ومدر للبول، ويبدو أن المقولة التي تقول: لو علم النساء ما في الجرجير لزرعوه تحت السرير، خرافة بنيت على مثل ما يرد في مثل هذه الكتب، أما الباذنجان فقد ذمه، ونصح بعدم أكله لأنه يسبب الأمراض، وهذا بلا شك غير صحيح، كما يقول إن الخس إذا أكل على الريق نافع، كما يقول إن الفستق إذا دق ينفع في علاج سم الهوام، نكتفي بهذا القليل من كثير مما أورده ابن قتيبة.
واليوم نجد في قنوات التواصل الاجتماعي مع كل أسف، من يطرح نصائح غذائية وطبية دون حقيقة علمية، تنصح بها القنوات الرسمية، وينساق البعض إلى تلك الأقوال، وقد يكون للبعض منها ضرراً مباشراً، وفيم أرى أنه لا بد من عمل إجراء ما، للحد من ذلك، أو زيادة توعية الناس بخطر مثل ذلك، وتجنب الأخذ بأي طرح لا يتفق مع المعايير العلمية المصرح بها من الجهات العلمية الرسمية.