أ.د.صالح معيض الغامدي
أنت تدرس السيرة الذاتية وتنظّر لها وتدعو الناس باستمرار إلى كتابتها، وهذا كله جيد، ولكن، متى ستكتب سيرتك الذاتية؟!
كثيراً ما يطرح علي هذا السؤال بصيغ مختلفة، ولكني في الواقع لا أمتلك إجابة محددة عليه، لا أقول هذا تواضعاً أو مراوغة ومداورة، ولكن هذه هي الحقيقة. ولا أخفيكم أنني أحياناً أطرح هذا السؤال على نفسي، ولا أجد إجابة محددة مقنعة!!
وسأوحال في هذا المقال أن أفكر معكم في هذا السؤال وأتلمس معكم الإجابة أو الإجابات المحتملة، التي قد تكون مقنعة، أو على الأقل ممكنة.
يمكن أن أفكر في عدة إجابات عن هذا السؤال: متها أنه لا يشترط في الناقد لكي يكون ناقداً جيداً لجنس أدبي معين أن يكون مبدعاً في كتابة ذلك الجنس إن لم يمتلك أدوات إبداعه، وتاريخ الأدب في كل الأمم يشهد بذلك.
ومنها إجابة أستعيرها من المثل الشعبي المشهور «باب النجار مخلوع»، وهي أنني أكتفي بقراءة سير الآخرين ومتابعتها، وأستغني عن كتابة سيرتي الذاتية زهداً أو خوفاً أو تواضعاً أو... إلخ.
أم الإجابة الثالثة الممكنة فهي أنني لست مقتنعاً بجدارة ما حققته في سيرتي وبأهميته للتدوين. فتجارب الإنجازات والإخفاقات في حياتي لا تشجع على كتابة سيرتي الذاتية، وتبدو لي أقل عمقاً ومستوى مما أرغب أو أريد أو حتى أتمنى!!
وقد يكون السبب في العزوف عن كتابة سيرتي الذاتبة هو أن معرفتي القرائية والنقدية والتنظيرية السيرذاتية (أو ما يمكن أن تسميته بالوعي النقدي السيرذاتي) هي التي تقف عائقا أمام إنجاز مشروع كهذا.
وقد يكون طلب الكمال في كتابة السيرة الذاتية هو عائق آخر من العوائق التي تجعل من أمر كتابة سيرتي الذاتية أمراً يبدو مخاطرة ومجازفة، لا أعتقد أنني أحتمل عواقبها السلبية المحتملة، خاصة عندما أضع لنفسي نموذجاً سيرذاتياً مثالياً مفترضاً.
وأخيراً ربما يكون السبب في عدم كتابة سيرتي الذاتية إلى الآن هو الاعتقاد بأن السيرة الذاتية ينبغي أن تكتب على التراخي، فكلما تأخرت كتابها كانت شموليتها أكبر وتجاربها أنضج والحاجة إلى كتابتها أكثر.
والحقيقة أن كل هذه الأسباب التي ذكرتها في هذا المقال (وربما يكون هناك أسباب أخرى لم أذكرها) تلعب دوراً متفاوت الأهمية في عزوفي عن كتابة سيرتي الذاتية حتى الآن. هل سيتغير موقفي وقناعاتي مستقبلاً وأتمكن من كتابة سيرتي الذاتية؟ ربما!!